وأنت تعبر شط العرب إلى الضفة المقابلة التي أدار السياب ظهره لها، لا تتذكر من قال "لا شيء أوسع من الألم" تنهال التذكارات الدامعة في عينيك، وينشطر قلبك إلى نصفين متعارضين، واحدٌ يغشاه الحب والثاني تضلله الكراهية، لكل ما هو ضد إنسانية الانسان وتطلعاته ن
وأنت تعبر شط العرب إلى الضفة المقابلة التي أدار السياب ظهره لها، لا تتذكر من قال "لا شيء أوسع من الألم" تنهال التذكارات الدامعة في عينيك، وينشطر قلبك إلى نصفين متعارضين، واحدٌ يغشاه الحب والثاني تضلله الكراهية، لكل ما هو ضد إنسانية الانسان وتطلعاته نحو الخير والسلام.
لقد كان موكباً بهياً ذلك الذي قام به عدد من الشباب العراقي الحلّي حين قطعوا مئات الكيلو مترات صوب البصرة الفيحاء ومنها إلى هذه البقعة الموحشة من الأرض والمتناثرة الأشلاء والتي لا تزال رائحة الموت تفوح من ترابها المجدب والمليء بأدوات الهلاك الصدئة، فهنا أسلاك شائكه ومرصد حربي مهدم وأعمده حديدية مغروسة في التربة، وهناك خوذ ورمانات يدوية وبقايا أسلحة متنوعة أكلها التراب والمطر والرياح، وثمة نبات صحراوي يابس أو معشب قليلاً وزهور بيضاء أو حمراء تحيي بخجل ووحشة تلك العظام النائحة بين طيات وشقوق ذلك النهر الناشف، والتي نحتها الرمل والعواصف. أيُّ جحيمٍ أرضيٍّ هذا الذي كتبه ذلك الوحش البشري الكاسر في ليلة كالحة السواد، وتركنا نقرأه ونعيد قراءته بعد عقود من الزمن تحت ظلٍّ من الكآبة والوحشة والحزن والتقزز من قتل الأنسان لأخية الأنسان.
إن مبادرة ميليشيا الثقافة العراقية تستحق التحية والثناء والوقوف عندها ملياً لما حملته من قيم نبيله ومعانٍ سامية ومفردات حافلة بالموت والحب والإبداع الذي جسدوه بمكونات شعرية ومشاهد مسرحية لتكون شاهداً على زمن ميّت قد تجيد الأجيال اللاحقة النظر إليه من زاوية مختلفة. تحية حب للشباب المثابرين مقتحمي الصعاب أحمد ضياء وعلي تاج الدين ووسام علي وأحمد جبور والمصور محمد الجبوري الذين تسابقوا لحمل راية الإبداع في أماكن شتى وأكيد سوف نرى اشراقات وابداعات في المستقبل يوثقون بها لحظات أخرى من نشاطات الانسان على هذه الأرض بنجاحاته وانكساراته.
وكانت “ميليشيا الثقافة” ظهرت في مدينة بابل ,وقد أسسها مجموعة من شعراء العراق وهم ” أحمد ضياء، كاظم خنجر، مازن المعموري، محمد كريم، علي ذرب، وسام علي، علي تاج الدين، أحمد جبور. وحسن تحسين” .، شعراء يصرخون بنصوصهم وقصائدهم وسط حقل ألغام والمقابر أو في أماكن تفجيرات السيارات المفخخة، يركضون إلى هذا الأماكن بعد الحدث مباشرة يتلون قصائدهم فيختلط الشعر برائحة الدم والبارود.
وتمكن هؤلاء من إصدار كتاب عن دار “مخطوطات للنشر”، في لاهاي، بعنوان “الشعر في حقول الألغام: أنطولوجيا قصائد شعراء ميليشيا الثقافة”، أعده وقدم له عبدالرحمن الماجدي.
ويقولون أن هذه الموجة الشعرية الجديدة تأتي للاحتفاء بالحياة وكردّ وتحدٍّ على صور الموت المتواصلة في العراق، وأن تجربتهم الشعرية مغايرة، وموغلة في البعد الإنساني والشعري ومستقلة عن أية تاثيرات سياسية في ظل الواقع البائس وفساد المناخ الأدبي والثقافي العراقي بسبب تناحرات ومهاترات في وسط الشعراء أدت لخمول وجمود إبداعي وتوقف نبض الشعر الحر والمعبر وساد الكساد والتدهور كافة نواحي الحياة الثقافية.
هنا وبحسب الكثير من الشهادات نحن مع موجة شعرية وفنية جديدة لفتت الانتباه اليها وسارعت عشرات القنوات الفضائية بالبحث عنهم ونشر ريبورتاجات ومقاطع مصورة لقصائدهم حيث يكون الاداء في مكان له دلالته الصادمة فربما تربط المجموعة نفسها بسلاسل أو داخل قضبان بملابس المحكوم عليهم بالإعدام ويكون الإلقاء جماعيا، كل واحد يلقي قصيدتة بطريقته الخاصة فنكون مع لوحة فنية عبثية وسوريالية مفزعة تخاطب الوجدان وتعتمد على الصدمات المربكة.