TOP

جريدة المدى > عام > الثقافة العربية والإقرار بعالم جديد

الثقافة العربية والإقرار بعالم جديد

نشر في: 29 نوفمبر, 2015: 12:01 ص

اسمحوا لي أولا بأن أشتق أو أركب تسمية (اليميسار) حين اتحدث عن اليميني يساري الطرح في بعض منه. وأن اشتق تسمية (الاجتماسياسية.) ارجو اني وفقت حتى يأتي خير منهما.بعدها اريد ان اشير الى الانعطافة التي واجهت خط تطور الدرس الثقافي العربي في خضم الحراك الاج

اسمحوا لي أولا بأن أشتق أو أركب تسمية (اليميسار) حين اتحدث عن اليميني يساري الطرح في بعض منه. وأن اشتق تسمية (الاجتماسياسية.) ارجو اني وفقت حتى يأتي خير منهما.
بعدها اريد ان اشير الى الانعطافة التي واجهت خط تطور الدرس الثقافي العربي في خضم الحراك الاجتماعي للأمة. وهي انعطافة تطلبت طرائق واساليب درس جديدة تواكب اتساع ونمو الثقافة ونشاط الحركة الاجتماسياسية وتبلور اليميسار بعد التباعد الشاسع والعدواني احيانا، بينهما.
لكن للاسف، لن نواجه المستجدات بجديد الثقافة او بجديد الكتب والرؤى ولكنا اعتمدنا اكثر على ما ورثنا وما كنا نمتلك. بصيغة كتابة البحوث، نحن لم نعتمد مراجع جديدة فاتضح الخطأ في النتائج. ولا تُتوَقع نتائج أخرى من قضايا جديدة تعالج في حصيلة أرث وأساليب تفكير قديمة. وقديمة هنا لا تعني موغلة بالقدم بل تعني قرنا مضى وعقودا سلفت. فهي حديثة بالنسبة للقديم الابعد. لكنها أيضاً قديمة بالنسبة للانفتاح الحضاري في العالم اليوم والذي صرنا نشهد بدايات حضوره عندنا. أية حلول ستنتج من مواجهتنا تلك ؟ ليس غير مفارقات مع الثقافة الجديدة واتجاهاتها المتطورة او المستحدثة. وهذا ليس في الادب وحده بل في السياسة والادارة والاصلاح الاجتماعي.
انما بعد الحداثة –ثقافة اليوم- تمثل التحول في فهمنا للماضي. وفهمنا له اظهر انه قاصر وغير كفء للاتفاق مع الجديد ولا هو كفء في مقاومته لهذا الجديد! هو معرقل مهمته تأخير الاكتساح أطول مدة ممكنة. أي ان مهمته اضاعة فرصة للتقدم او ابطائه.
لكن ما هي اسباب تشبث هذا الكم من اجيال اليوم بالتقليد القديم، حتى يكون له هذا الحضور الفاعل؟ مدرسياً، المسألة ذات جذور تتخلل الدراسات الثقافية المتوارثة وشبه انقطاع مدمنيها عن الجديد أو، اصلاً كرههم له. كان هذا مانعاً من تغيير المناهج في التربية والتثقيف، مادامت تحت سلطانهم وتحت حضورهم الاجتماعي. فلا يشغل الفضاء العملي والبحثي عقلٌ متوازن يتقبل مستجدات العصر. اذاً، لا بيئه تهيأت لاستضافة المستجدات وتبنيها. الكراهة الكامنة والنفور معلن بوضوح. ونحن حتى الآن بسببها، لم نبرح الثقافة الادبية في اللغة والتاريخ، الاسلامي غالباً، والدينية .. هذه حاصلة بنسب واضحة وجماهيرها لتلك الاسباب اوسع من سواها. الذي يعمل هو العقل الادبي بهذا المفهوم. وبسبب من الطبيعة العاطفية، لاولئك، نجد الارتياح او اللاارتياح للنص ومثلهما للعمل او الاجراء السياسي ومثلهما لنسيج المصنع والبناء والتصميم. لم يؤسس العلم والاقتصاد المعرفي بعدُ قواعد لفعالية الثقافة وانتاجية المعرفة.
التجربة الاشتراكية، الروسية، وفي أوروبا الشرقية كانت بمستوى الانسجام التقريبي واحتواء الحاجتين الاقتصادية والجمالية. لكن في البانيا وكوبا كان اقل انسجاماً ، فعصير البرتقال الالباني كان بعلبة من صفيح شبيهة بعلبة الصبغ او الدهان فلم يتقبلها السوق عند التصدير. وهذا ما كان بنسبة اخرى في كوبا. الانتاجية كانت ذات محتوى سليم لكن لم يكتمل حضور الجمالية فيها. لكن حتى في الصناعات الحربية الغربية، ترى الجمالية حاضرة والمذاق الحضاري للعصر فارضاً حضوره. السيارة الفولكا الروسية، مثلا، اكثر متانة ولكنها تفتقد ما يجعلها المفضلة بالرغم من تلك المتانة.
في بلداننا الشرق اوسطية، الثقافة المحافظة ليست ثقافة حديثة مكتملة الحداثة. معظم مصادرها تنتسب الى غير زماننا. والقريب المستحدث، بنسبة ما، ينتسب الى عقود سلفت اكثر من انتمائه للعصر. وهذه الثقافة المحافظة عموماً هي ثقافة السلطة والبيوتات والوجهاء والساسة الحاكمين، الا استثناءات لا تمتلك سلطاناً. إذاً، حضر التقاطع وظلت الثقافة التي تجمع العملي والمعرفي الجديدين والثقافة و(الاجتماسياسية) مناوئة بدلاً من ان تكون السائدة والفاعلة. هذه الثقافة الجديدة، المناوئة، بدأت تسلط اضواءها واداناتها الكاشفة للاحتياجات الاصلاحية. فاكتسبت بسبب ذلك صفتها اليسارية. سبب ذلك الرغبة المفرطة بالتغيير والصِدام مع المهيمن.
اطراف الصراع يحتاجون دائما الى عون او اسناد. فمثلما اعتمدت الاولى، المحافظة، مدخرات التاريخ والفكر اللصيق بالرجوعية، او فكر السلطة، واعتمدت القوى الثانية حركات التغيير الجديدة: الماركسية، الانثوية، مجاميع المثقفين الليبراليين ذوي الاصول البرجوازية ... الخ وأكدت هذه في حضورها على نزعة تعددية الثقافة لتحتوي الاقليات والحركات العمالية وسواها. الاخيرة كانت فضاءً شبه مغلق للماركسيين وان جرت عمليات تغلغل من الاشتراكيين القوميين في فترات الحضور الثوري القومي. لكن عموما الحقيقة الاولى ظلت هي الراسخة وهي الابرز حتى الان في الحركات المدنية.
نسب مكونات الجماعتين متفاوتة وعناصر الثانية اكثر قلقاً، بينما عناصر الاولى اكثر ثباتا بحكم حضورها الرسمي والمرتكزات التاريخية. كما ان الثانية تتعرض بين حين وآخر للكبح حتى بالسلاح، بقصد ايقاف تناميها. وهذا سببٌ رئيس للانشقاقات الكثيرة التي تتعرض لها.
ثمة حدود دائماً للثانية لتقف عندها، والا حتى الخارج قد يقع بها. الفِتَن أحيانا تُصطنع دمويتها للغرض نفسه.
كما هو واضح، كل شيء حتى الان اعتيادي وضمن حركة التاريخ. لكن اشكالات اخرى تزيد التعقيد. منها ان القوى الجديدة تعتمد الثقافة القديمة احياناً مع ثقافتها الجديدة وتتعامل مع الاحداث والظواهر باساليب تلك الثقافة القديمة أو بطرائقها. وهنا تتجسد الحاجة، رؤىً وأفكاراً ، الى ان يتوافر العقلي – العلمي فعلا واداءً. حصول هذا كان دون النسبة المطلوبة في الممارسة النضالية وفي التعاطي مع الاحداث والمواجهات. مساحات حضور العقلي – العلمي كانت دون ان تقرر انتصاراً مثلما لا تؤكد خسارة. كما ان نسب الاستيعاب عند القياديين مختلفة ما يجعل أي قرار غير مكتمل العلمية. كانت النتائج واضحة: لا تقدم بحجم التضحيات وطول الزمن!
في كل الاحوال، صرنا نفهم تحولات الماضي والتقاطعات، او التحولات ، في الحاضر بانها تحول في البنى الاجتماعية وليست قصصا غيبية مجهولة الاسرار علينا تقبلها كاقاصيص مسلّية أو مهدِّدة ، هو اشتباك تحولات !
تزداد المشكلة تعقيدا حين نعلم ان الجبهة التي اعتمدت التغيير وتسعى الى الجديد، هي أيضاً تحمل بعضاً مما في عقل الخصم ومن مؤونته الثقافية. تصل الازدواجية "بالتقدميين" حد ان ترى من يتحدث بجدل، أو بالدايلكتيك الماركسي ويستنجد بإمام يحضره عند الشدة. عدم صفاء هذه القوى من ثقافات معرقلة، دينية واثنية ومعتقدات قديمة وخليط رؤى وأساليب متخلفة في العمل. كل هذا يزيد من التخبط العملي كما يطيل زمن المخاض. فلا هم انسجموا مع غيرهم ولا هم استقلوا تماماً وشقوا دربهم بعقيدتهم الجديدة مكتملةً. النتيجة هي هذا المُضَطرَب وهذا الاشتباك والمراوحة في البقاع نفسها.
كم تقدم العراق خلال خمسين سنة ؟ كم تقدمت مصر؟ سوريا؟ ولا نقول أكثر. حتى لبنان المرشحة للتقدم أكثر، مرشحة اليوم للتأخر أكثر! كلما تحقق انتصار في مكان، اعقبهُ نكوص..
هو ذلك سبب فشل الثورات وانحرافات الاصلاح وسقوط الابطال أيضاً. قد تقول أني أغفلت القوى الخارجية، هيمنةً أو تغلغلاً، أقول : لا ، لم انسها . هذه مثلما تغذي جبهة المحافظة والرجوعية، هي لا تترك صلاتها بجبهة التقدم. والتغلغل حاصل بصور شتى وصولاً الى اللجان المركزية. فشل الثورات وانكساراتها يكشف عن كثير من الخيوط او الشخصيات الملتبسة فيها ..
يدرك الجانبان احياناً ضرورات اللقاء ليأمنا وليستريحا. ولكن ثقافة ما تزال مكوناتها اللغة والتاريخ والسحر والغيبيات والمصالح الخاصة، تشعر بالطهرانية العازلة عن ثقافة مفرداتها مختبرات ونووي وسرطان وجيولوجيا و استوديوهات وحركات نسوية ومثلية وطاقة وفنون جديدة وحرية تعبير... .
ربما، أقول ربما، يكون احد اسباب الاضطراب السياسي في العراق اليوم ان القائمين عليه من اصول فلاحية يربكهم لبراليون غير واضحي المعالم. تفصل بين الاثنين خيوط ملتبسة والخارج حاضر في جميع الامكنة وأمام الناس وفي الشاشات! وحين نرى الجبهة الاولى تمد يدها للجديد وهي مرتكزة الى القديم ونرى جبهة التقدم تتطلع الى ما بعد الماركسية نعلم ان هذا لا يوصلنا الى اتفاق بل الى اختلاط مفاهيم وقلق افكار. الانكسار الماركسي والاشتراكي القومي اربك المُتَوقَّع. كان ذلك لصالح المحافظة، لصالح الجبهة الواسعة الاولى، هو زادها ثقلاً. فهل سيؤدي مجموع هذا الى مساحة للتنازلات او للاتفاق على حال جديد يضمن وسطية الثقافتين ؟
أظننا ماضين لاستيعاب القراءات . هل من "دمقرطة" مصنوعة محلياً للحفاظ على مصالح الخارج وعلى الثقافة المحافظة ومركزيتها في السلطة وفي الوقت نفسه تفتح افقاً للتقدم ؟ التنازلات، كما المساومات، واردة. لكن كيف نرسخ الاسس المفاهيمية لثقافة جديدة تسند النزوع المجتمعي لحياة جديدة؟ التفاؤل لا يجد شروطه، بخاصة وقد أهملنا الفردانية النفعية وحراكها من خلف الثقافتين ..
لا بأس. الحياة تحرز تقدماً من خلال الاشتباك وتقدماً مجيداً وأن رغبنا بالاكثر. اظن حراك العولمة أو عالمية المصالح والافكار، سيرسيان حلاً بقوة محتوى العصر وليس للجميع غير الانصياع! فلنبدي لطفاً ونهيئ انفسنا الى ما يفيد الجميع ويجعل الرضا المتبادل ممكنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

"كِينْزُو تَانْغَا"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5842-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

د. خالد السلطانيمعمار وأكاديميعندما يذكر اسم "كينزو تانغا" (1913 - 2005) Kenzō Tange، تحضر "العمارة اليابانية" مباشرة في الفكر وفي الذاكرة، فهذا المعمار المجدـ استطاع عبر عمل استمر عقوداً من السنين المثمرة ان يمنح العمارة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram