اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحياة بين نداءين

الحياة بين نداءين

نشر في: 28 نوفمبر, 2015: 09:01 م

لم تفرز سنوات ما بعد صدام حسين حزبا سياسيا أو أي تنظيم رائد في مجال قيادة المجتمع والسير به نحو تأكيد وتفعيل العلم والفكر الحر والعمل المدني، والافعال المستجيبة للتطور والمتفاعلة مع المحيط الانساني، ولسوء طالع العراقيين ظلت هيمنة الاسلاميين على الواقع السياسي تقود البلاد من ظلمات الكتب الى ظلمات الحياة وظلمات الوعي. والتي لم يجن الناس منها سوى التخلف والركود الاقتصادي والتراجع في معظم الميادين، حتى أصبح مبدأ (آني شعليه) والذي منه عدم الشعور بالمسؤولية صفة معلنة، ذلك لأن الاحزاب هذه رهينة قياداتها ومناهجها الضيقة، فيما تشير معظم الدراسات والبحوث الى استحالة قيام نظام ديني بالمعنى الذي تشتغل عليه اليوم أحزاب السلطة، لا في العراق ولا في أي رقعة جغرافية أخرى. والفرق واضح معلوم بين الاسلام كدين والاسلام كنظام للحكم.
وبفعل نظام بدائي متخلف عملت الدولة العراقية ومن خلال أحزابها الدينية الحاكمة على ترسيخ مبدأ غيبي عافته أبجديات الانظمة والحكم المدنيين، مبدأ متوالية العقاب والثواب الدينين والحلال والحرام الدينين والحق والباطل الدينين، وهكذا، وعبر منظومة أخلاقية قبلية دينية ريفية أجهزت تماما على جملة القوانين المدنية النافذة والمعمول بها منذ عشرات السنين وجعلت من قضية الحكم بالقوانين سخرية يتندر بها الناس في مجالسهم، حتى أمتد ذلك إلى ما نشهده اليوم من صعوبة في ملاحقة الفساد الذي ينخر مفاصل الحياة، وباتت قضية الأخذ بجملة السنن والتشريعات والقوانين والتي هي خلاصة الفكر وعصارة الجهد الانسانيين والتي لولاها لما سجّل التاريخ لنا الطفرات العلمية والانجازات الفكرية التي أثرت حياتنا وجعلتنا آمنين على مستقبل الانسان فينا. نقول باتت أبعد ما تكون عن العمل في العراق. لذا نرى أن القاضي ومأمور المركز يلجأ في الكثير من القضايا (القانونية) الى شيخ العشيرة ورجل الدين لفضِّ النزاعات وبما فيها القضايا التي تهم أمن وأقتصاد الدولة.
لكن، وعلى الرغم من تعطل اغلب مفاصل الحياة العراقية بسبب تعطيل جملة القوانين هذه ظلت قضية المرأة والزواج منها والشرف الذكوري المرتبط بما بين فخذيها وشعرها وحجابها الشغل الشاغل للأحزاب هذه على مدار السنوات الماضية، وقد وجدنا أن حزباً في التحالف الوطني قاتل أعضاؤه لكي يشرّعوا لنا قانونا خاصا بالأحوال الشخصية، حتى لكأن البلاد استنفدت حاجاتها كلها في الأمن والاقتصاد والتعليم والصحة والخدمات ولم يبق لديها سوى قضية الزواج من ثلاث وأربع والميراث والرضاعة ونجاسة الكتابي المشرك والخراطات.
لكننا، ومع سحابة اليأس التي تغطي حياتنا، نسجّل إعجابنا بتظاهرات الطلبة في الجامعات العراقية وفي بغداد بخاصة وهم يطالبون مثلا بإيقاف قرار الفصل بين الجنسين. وهي مواقف مشرفة تحسب لصالح أبنائنا الطلبة ضد الوزراء الاسلاميين الذين تعاقبوا على وزاراتي التربية والتعليم العالي، أولئك الذين يريدون بنا العودة الى نقطة الصفر، التي ابتدأت في الدولة العثمانية حيث كان تعليم الكتاتيب، غير مبالين بما ينتج عن ذلك من نكوص ويأس وخذلان في نفوس طلبتنا، الذين نعدهم لمستقبلنا حين تكتمل دورة الوعي في مجتمعنا ذات يوم.
يقول صديقٌ لي خرج من العراق قبل أربعين عاما ومازال يعيش في بلاد أخرى، بأنه اهتدى الى نقطة اجتماعية قد تبدو غريبة علينا، نحن هنا في البلاد المحترقة عظمة وشموخاً. يقول بانه : لو شاهد ابنته مع حبيبها في فراشها أو وهي في فراشه عاريين وغائبين في قبلة أو ذاهبان لطلب الولد حتى.. لما سألتها عن سبب لذلك. هذا نداء الطبيعة. وهذه حاجة جسد، ولو أنها لم تكن بالحاجة تلك لما ذهبت إلى ما وجدتُها عليه. فسألتُ نفسي السؤال البليد هذا: ترى ماذا لو أمتلك نصفُنا الوعي الفيزيائي هذه !! أكنا على الحال التي نحن عليها اليوم؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو سجاد

    مشكلتنا ياسيد طالب بهذه الديموقراطية هي التي جلبت هؤلاء الاسلاميين وجعلتهم يتربعون على العرش وهم الذين يسيرون البلد كيفما شائت اهوائهم واذا تحدثت عن الوعي الفيزياوي هذا وبهذه الطريقة لصدرت بك فتوى وحل قتلك ولو قراء احدا من هؤلاء اللااسلاميين عمودك هذا

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram