TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أردوغان المسعور

أردوغان المسعور

نشر في: 4 ديسمبر, 2015: 09:01 م

سألتني مضيّفة الخطوط الجوية التركية، وأنا في رحلة العودة من برلين على متن إحدى طائراتها، عن أي الصحف أرغب بقراءتها، فأجبتها بأنني أريد أي صحيفة باللغة الانكليزية. ناولتني واحدة هي صحيفة "حرييت ديلي نيوز".
على نصف الصفحة الرابعة كان ثمة تقرير عن برنامج الحكومة التركية الجديدة الذي عرضه رئيس الوزراء أحمد داوودأغلو على البرلمان التركي.. الصحيفة عنونت التقرير بالآتي: "داوودأوغلو يتعهد بميثاق (دستور) جديد وإصلاحات ديمقراطية مع توافق واسع"، واحتوى المتن على ملخص لخطاب داوودأغلو ومقتطفات إضافية مما جاء فيه، بما يفصّل ما جاء في العنوان بشأن الإصلاحات الديمقراطية الموعودة ومشروع الدستور الجديد، وبجعل حكومته الجديدة حكومةً لكل الأتراك "حتى الذين لم ينتخبونا".
قبل أن أقرأ التقرير كانت الصفحة الأولى قد أنبأت بخبر ينسف كلام رئيس الوزراء التركي من الأساس. الخبر يخصّ الأمر باعتقال صحفيين تركيين اثنين، هما رئيس تحرير صحيفة "جمهوريت" جان دوندار وزميله ممثل الصحيفة في أنقرة، إيرديم غل، لأن صحيفتهما نشرت في 29 مايس الماضي معلومات ومقاطع فيديو تُظهر قيام جهاز المخابرات التركية "(ميت) بنقل أسلحة ومعدات حربية إلى سوريا في شاحنات عسكرية ( لصالح المنظمات الإرهابية المتطرفة وبينها داعش). وأمر الاعتقال صادر استناداً إلى دعوى أقامها في 2 حزيران الماضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصياً ضد الصحيفة. وفي وقتها توعد أردوغان الصحفي الذي كتب تلك القصة الصحفية بأنه "سيدفع ثمنا باهظاً"!
في العدد نفسه من الصحيفة على الصفحة الثانية كان هناك خبر عن طلب المدعي العام في اسطنبول الحكم بالسجن ثماني سنوات وشهرين على رئيس تحرير صحيفة "تودايز زمان" الصادرة باللغة الانكليزية، بولنت كنش، بتهمة "إهانة" الرئيس أردوغان عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي تصريحاته. والإهانة في مفهوم أردوغان هي انتقاد سياساته ومواقفه وتصريحاته.
أردوغان نجده دائماً في قلب القضايا المتعلقة بقمع الحريات في تركيا، وبخاصة حرية التعبير عبر وسائل الإعلام التقليدية والجديدة. ومذ أصبح رئيساً للوزراء قبل سنوات كان أردوغان يعمل مثل بلدوزر لتذليل كل العقبات المحتملة لتوليه رئاسة الدولة، ثم عندما غدا رئيساً للدولة أثقل على بلدوزره من أجل إعادة انتخاب حزيه الإسلامي (العدالة والتنمية) والسيطرة على معظم مقاعد البرلمان لضمان تغيير الدستور الحالي وتشريع دستور جديد يجعل من نظام الدولة البرلماني رئاسياً، والهدف دائماً تركيز السلطة كلها في يدي أردوغان ليصبح أول سلطان في عهد الجمهورية التركية. لم ينجح أردوغان تماما في تحقيق ما يريد، ففي الانتخابات السابقة خسر حزبه الأغلبية في البرلمان، وفي الانتخابات المبكرة التي جرت منذ أسابيع بالكاد استطاع حزب أردوغان الحصول على أغلبية بسيطة في البرلمان، وهذا مما لا يمكّنه من تغيير الدستور.
أردوغان يبدو الآن مثل وحش جريح أو مسعور، يسعى لقمع حرية الإعلام بإقامة الدعاوى على الصحفيين المستقلين وغير الموالين، ولإثارة أجواء الحرب على حدود بلاده.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د عادل على

    ادعاء النظام التركى بانه اسلامى غير صحيح ليس بسبب عدم وجود المعممين فى السلطه بل لان استراتيجية النظام اتاتوركيه 100% انظر الى نازية النظام فى كوردستان تركيا حيث يباد فيها مسلمون كورد وبكل قسوة--------تركيا اليوم دولة توسعيه وهى مصدر الفاجعه السوريه لان

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram