في الأسبوع الماضي لفت رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي أنظار معظم العراقيين أثناء توجهه الى محافظة كربلاء ليشارك الملايين أداء مراسيم الزيارة الاربعينية ، ارتدى الرجل الدشداشة السوداء والعرقجين ، فأعطى صورة واضحة عن رغبته في ان يكون واحدا من "المشاية" بعيدا عن صفته الرسمية وموقعه الحزبي .
مشاركة أكبر مسؤول في الدولة ابناء شعبه في اي مناسبة في جميع دول العالم تعد امرا طبيعيا ، لكنها في العراق تخضع لتأويل وتفسير ، فيما يتناولها المثقفون في اغلب الاحيان من زاوية التعاطي مع شروط المناهج النقدية الحديثة لاكتشاف الخطاب الداخلي ، وليس من المستبعد اطلاقا ان يخرج احد المختصين المهتمين بقضايا ما بعد الحداثة بنتيجة تؤكد ان "عرقجين العبادي" بلونه الاسود يحمل دلالات التعبير عن انتماء لمكون اجتماعي محدد، اصحاب هذا التفسير ما بعد الحداثوي ، يظلمون الرجل ،لاسيما انه اعلن في اكثر من مناسبة منذ توليه منصبه ،انه رئيس مجلس الوزراء العراقي يمثل الشعب بجميع مكوناته ، على الرغم من رفضه اعلان استقالته من حزب الدعوة الاسلامية استجابة لدعوات محتجين وساسة يشترطون في مواصفات من يتولى منصب رئيس الحكومة ان يكون مستقلا ليتمكن من تنفيذ برنامجه بإرادة مستقلة بالتعاون مع فريق عمله بعيدا عن اية ضغوط حزبية .
العرقجين مفردة تركية دخلت الى العراق منذ الاحتلال العثماني مع مفردات ومصطلحات أخرى مازالت حاضرة في التداول الشعبي لاستخدامها في اللهجات المحلية ، العرقجين دخل الى الازياء ليكون جزءا من اغطية الرأس ، يرتديه الشخص تحت جراويته سواء كانت ملفوفة بالطريقة الشيخلية او الشبلاوية او العصفورية ، ولن يستغني عنه صاحب العقال ، وفي لهجة ابناء الجنوب "الحدرية " هي العرقجين ، اكتسب تسميته المحلية ، لأنه يكون "حدر" تحت اسفل العقال ، ابناء بغداد من الجيل القديم بجانب الرصافة كانوا يرتدون العرقجين مائلا الى اليسار او اليمين ، أما الكرخيون فيفضلونه مستقيما ، لتفادي امكانية احالة الميل الى اليسار او اليمين لتفسيرات سياسية ، وكان العرقجين لباس الرأس المفضل لأشقياء بغداد مع المعاصم الجلدية في الساعدين ، مع وضع الكوفية اليشماغ على الكتف.
مشاركة العبادي في مراسيم أداء الزيارة الاربعينية على الصعيد الشخصي كانت فرصة للقائد العام للقوات المسلحة بان يرفع يديه الى السماء ليطلب من الباري عز وجل تحقيق النصر النهائي على تنظيم داعش ، وان تشهد الاسواق العالمية ارتفاعا بأسعار النفط ينقذ العراق من ازمته المالية الخانقة ، لتتخلص الحكومة من انتقادات المعترضين على سياساتها التقشفية ، العبادي ربما حمل في جيب دشداشته السوداء هموم وطن ، بإمكانه ان يزيح بعضها حين يتعاون مع المخلصين من ابناء شعبه في ضرب المفسدين بقبضة من حديد ، لكن المشكلة كيف يستطيع صاحب القرار الاستعانة بالمخلصين لمساعدته في مهمته ، القضية صعبة تحتاج الى رأي المحكمة الاتحادية .
تأويل وتفسير
[post-views]
نشر في: 5 ديسمبر, 2015: 09:01 م