TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بين مدينتين .. برلين وبغداد!

بين مدينتين .. برلين وبغداد!

نشر في: 5 ديسمبر, 2015: 09:01 م

قبل حلول موعد اللقاء في وزارة الخارجية الألمانية في العاصمة برلين بساعتين ارتأى مضيفونا أن يأخذونا في جولة داخل المدينة لمشاهدة معالمها الرئيسة التي أتيح لي في مرات سابقة مشاهدة البعض منها عن قرب. لكن هذه المرة بدا لي للوهلة الأولى أمراًغريباً أن يضع دليلنا السياحي الألماني بيت المستشارة (رئيسة الحكومة) أنجيلا ميركل ومساكن أعضاء البرلمان ضمن هذه المعالم.
قال الدليل وهو يشير بإحدى يديه ناحية اليسار: هناك بيت أم ألمانيا.. هل تعرفون من هي أم ألمانيا؟.. إنها المستشارة ميركل.
لم يكن بيت أم  الألمان والشخصية النسائية الأكثر نفوذاً في العالم قصراً منيفاً وسط حديقة غنّاء مثلاً ليُصنّف بين المعالم الرئيسة لبرلين، كما هي حال بوابة براندنبورغ ومبنى الرايخشتاغ وبرج التلفزيون وعمود النصر ونصب الجندي السوفييتي والنصب التذكاري لمحرقة اليهود مثلاً  .. بيت ميركل شقة عادية في بناية عادية يوجد مثلها مئات البنايات السكنية في العاصمة الألمانية، بالكاد يمكنك تمييزها بين الشقق الأخرى، فهي تقع في الطابق الرابع ولا تختلف عن سائر الشقق إن في لونها أو في مساحتها أو موقع بنايتها .. الفرق الوحيد أنه يقف عند باب البناية شرطيان للحراسة.
أفادنا الدليل بأن السيدة ميركل كان في مقدورها، لو أرادت، العيش في مسكن خاص برؤساء الحكومة، لكنها فضّلت أن تبقى في الشقة إياها التي كانت فيها قبل أن تتولى منصب المستشارية منذ عشر سنين، وأتذكر أنني قرأت ذات مرة أن ميركل تحب أن تتسوق بنفسها احتياجاتها الشخصية والمنزلية.
بعد قليل أشار الدليل السياحي بإحدى يديه ناحية اليسار أيضاً ليوجّه أنظارنا الى "معلم" برليني آخر يُشار إليه بالبنان، قائلاً: تلك البنايات خاصة بشقق أعضاء البرلمان .. كان من المفروض أن يسكن النواب في هذه الشقق، لكنهم جميعاً رفضوا  وفضّلوا مواصلة العيش بين ناخبيهم.
 دليلنا أضاف مقدّماً حجة لنواب بلاده لتبرير هجرهم "جنة" السكن الحكومي، أنهم يقولون إنه يكفيهم العمل معاً في مكان واحد، هو مبنى البرلمان، ولا يحتاجون لأن يكونوا في سكن مشترك أو في المنطقة ذاتها.
ألمانيا دولة غنية وقوية، من السهل عليها للغاية أن توفّر لرئيس حكومتها وأعضاء برلمانها قصوراً فخمة، كما كانت عليه الحال في زمن المملكة البروسية وسائر الممالك الأوروبية، وما كانت الدولة الألمانية ستبخل على مستشارتها ونواب شعبها بمساكن من هذا النوع، لكنهم هم من اختاروا بمحض إرادتهم أن يبقوا حيث هم وكما هم قبل انتخابههم أو تكليفهم بمناصبهم العمومية.
ما وراء هذا الكلام؟
ليس هذا الكلام موجهاً إلى سكان المنطقة الخضراء ومنطقة جادرية النهر، فهم قوم ممن قال فيهم القرآن: "ختمَ اللهُ على قلوبِهمْ وعلى سمْعِهمْ وَعلى أَبْصارِهمْ غِشاوةٌ"، و"وجعلنا مِنْ بيْنِ أَيديهِمْ سَدّاً ومِنْ خلفهِمْ سدّاً فأَغْشيْناهمْ فهمْ لا يُبْصِرون"!.
 إنه كلام لنا، نحن الناخبين، لكي نعرف "أوادمنا" في الانتخابات المقبلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ام رشا

    الرسالة التي اردت توصيلها للناس مع الأسف وصلت بمعنى مختلف فقد اردت ان تقول ان شيوعيوا هالوكت ناس مؤمنون بوجود الله والقرآن الكريم بمعنى يخمسون ويلطمون ويشاركون بركضة طويريج ولله في خلقه شوؤن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram