د. عزيز طهحينما يتذاكر الناس في تاريخ العرب وفي طبيعة ما كانوا عليه قبل الإسلام، فإن المؤرخ الأستاذ الدكتور جواد علي، رحمه الله ، أول ما يتبادر إلى أذهانهم. ويكفيه فخرا انه ألف كتابيه الشهيرين (تاريخ العرب قبل الإسلام)
بثمانية مجلدات و(المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ) بعشرة مجلدات. ولد الأستاذ الدكتور جواد علي في الكاظمية ببغداد سنة 1907 ودرس في الاعظمية حيث كلية الإمام الأعظم أبي حنيفة وبعد ذلك أكمل دراسته في دار المعلمين العالية (كلية التربية) وبعد تخرجه فيها سنة 1931 عين مدرسا في إحدى المدارس الثانوية وسرعان ما رشح ليكون ضمن بعثة علمية إلى ألمانيا وقد حصل على الدكتوراه من جامعة هامبورغ سنة 1939 وذلك عن رسالته الموسومة (المهدي وسفراؤه الأربعة) بالالمانية .عاد إلى العراق وصادفت عودته قيام ثورة مايس 1941 ونشوب الحرب العراقية -البريطانية فانضم إلى الثورة وبعد فشلها اعتقل في معتقل الفاو ثم أطلق سراحه وأعيد إلى الوظيفة في وزارة المعارف واختير ليكون أمينا لسر لجنة التأليف والترجمة والنشر التي قدر لها أن تكون نواة للمجمع العلمي العراقي سنة 1947 وفي 1956 أصبح عضوا عاملا في المجمع واختير عضوا مراسلا ومؤازرا في مجامع اخرى عربية وعالمية . عمل الدكتور جواد علي مدرسا وأستاذا مساعدا ثم أستاذا في قسم التاريخ بكلية التربية -جامعة بغداد منذ الخمسينيات من القرن الماضي وفي العام الدراسي 1957 -1958 عمل أستاذا زائرا في جامعة هارفارد الامريكية وقد تقاعد فمنحته جامعة بغداد لقب (أستاذ متمرس) نشر الدكتور جواد علي قرابة (50) دراسة في مجلة المجمع العلمي العراقي كما كتب في مجلات أخرى منها (المعلم الجديد) وحصل في حياته على تكريمات وأوسمة منها وسام المعارف اللبناني ووسام المؤرخ العربي وحضر ندوات ومؤتمرات عديدة منها مؤتمرات المستشرقين التي كانت تعقد في ألمانيا. من مؤلفاته المنشورة :1. التاريخ العام (بغداد 1927 )2. أصنام العرب (بغداد 1967 )3. تاريخ العرب قبل الإسلام (ثمانية مجلدات) طبعها المجمع العلمي العراقي بين سنتي 1956 -1960 .4. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (عشرة مجلدات) طبعت في بيروت بين سنتي 1968 - 1977 .5. تاريخ الصلاة في الإسلام (بغداد 1968 )6. تاريخ العرب في الإسلام (بيروت 1969 )كما أن له كتبا غير منشورة منها كتاباه (معجم ألفاظ المسند ) و( المفصل في تاريخ العرب في الإسلام ) وقد نشر مع الدكتور احمد سوسة والأستاذ بهجت الأثري خارطة الإدريسي المعروفة بـ (صورة الأرض ) وطبعت سنة 1951 . وله بحث موسع نشر متسلسلا في مجلة المجمع العلمي العراقي (1950 -1954 ) حول موارد تاريخ الطبري .كان الدكتور جواد علي مؤرخا رانكويا (نسبة إلى المؤرخ الألماني ليوبولد فون رانكة ) الذي يقول إن وظيفة المؤرخ أن يعيد تشكيل الحدث التاريخي كما وقع بالضبط . وبشأن منهجه هذا قال إن ثمة مشاكل تعترض المؤرخ منها مشكلة الرجوع إلى المصادر الحقيقية ومشكلة المؤلفات القديمة باللغات المختلفة ومشكلة تشتت المصادر وتبعثرها. ويعيب الدكتور جواد علي على المؤرخين أخذهم بالعموميات بدلا من اعتماد المنهج العلمي ويضيف إن على المؤرخ أن يدرس التاريخ وفقا للظروف والحوادث التي وقعت وليس كما هو الحاضر ويحذر المؤرخين من تدخل العواطف وتحكم المذهبية واصطباغ التاريخ بصبغة عقائدية ويقول ((يقتضي على المؤرخ ليكون تاريخه علميا منزها تجنيب نفسه المذهبية المتزمتة وعليه نقد الروايات نقدا علميا محايدا ... )). ويضيف (( ثم يقوم بربط الأخبار بعضها ببعض، وشد اجزائها شدا محكما بأسلوب يتناول كل الوجوه واعتبار التاريخ تاريخ بشر وهو حكم وسياسة والسياسة سياسة في كل وقت ومكان ولن يختلف فيها إنسان عن إنسان)).ويرى الدكتور جواد علي، أن العرب يمتلكون تاريخا ثرا وهم في غنى عن الإضافة إلى تاريخهم وتحميله ما ليس منه. ويدين استخدام الدولة التاريخ أداة بيدها ويقول إن هذا مرض مزمن في البشرية مما حمل الناس على الشك في صحة التاريخ.واعتباره مجرد كذب وتلفيق ويضيف ((ما زال التلفيق والتنميق جاريين في التاريخ، ولاسيما في السياسات المذهبية وفي الأمور الشخصية وفي الحروب وفي الجدل بأنواعه، غير أن بوسع المؤرخ في الوقت الحاضر الكشف عن الواقع بفضل تعدد المصادر والمقارنة بينها واستخلاص الحقائق)) .وفيما يتعلق بالدعوات حول إعادة كتابة التاريخ قال الدكتور جواد علي إن تلك الدعوات لم تنبع من فلسفة أصيلة مدروسة وإنما من ميول ومحاكاة ومحاباة ونابعة من توجيه البيئة والعصر وإخضاع التاريخ لمنطق الرأي السائد في عصر المؤرخ. وبشأن عوامل تفسير التاريخ التي يجب على المؤرخ أن يتسلح بها يقول الدكتور جواد علي إنها :1. التاريخ يستمد وحيه من واقع الظروف التي صنع فيها وذلك بعد تحليل وإعمال فكر واحاطة بالروايات وبالوثائق الواردة عن الحادث .2. تدوين التاريخ وفقا للاجتهاد الذي يتوصل إليه وجدان المؤرخ عنه .3. عدم الرضوخ لمدرسة معينة من المدارس التي تفسر التاريخ وفقا لديانتها وعقيدتها في تفسير التاريخ ،لأن التأريخ لرأي معين معناه أننا نزيف ونحور التاريخ ونصوغه وفقا لعقيدتنا الضيقة ،فهنا
الدكتور جواد علي .. ذاكرة لتاريخ العرب
نشر في: 13 يناير, 2010: 04:49 م