د.عبد العزيز الدوري هذا مؤلف يلخص جهد حياة علمية، قضاها صاحبها في دراسة تاريخ العرب قبل الإسلام. ويتمثل تركيزه على هذا التاريخ في أن " المفصل" هو طبعة ثانية لكتابه " تاريخ العرب قبل الإسلام"، ولكنه في الواقع ـ كما يقول المؤلف ـ كتاب جديد يختلف عن كتابه السابق في إنشائه وتبويبه .
وفي كثير من مادته أيضاً،" فقد ضمنه مادة جديدة ... تهيأت لي من قراءتي لكتابات جاهلية عثر عليها بعد نشر ما نشرت منه، ومن صور كتابات أو ترجمات او نصوصها لم تكن قد نشرت من قبل، ومن مراجعاتي لموارد نادرة لم يسبق .. الوقوف عليها، ومن كتب ظهرت حديثاً . فرأيت إضافتها كلها .. " وقد فهمت إن استمر بمتابعة ما يصدر مماله صلة بالعرب قبل الإسلام. " والمفصل" مؤلف شامل جامع لتاريخ العرب قبل الإسلام، أراد به مؤلفه" تقصي كل ما يرد من الموضوعات في الكتابات وفي الموارد الأخرى وتسجيله وتدوينه، ليقدم للقارئ أشمل بحث واجمع مادة في موضوع يطلبه "، ويبرر نهجه هذا قائلاً،" لأن غايتي من هذا الكتاب أن يكون (موسوعة) في الجاهلية والجاهليين، لا أدع شيئاً عنها أو عنهم ألا ذكر في محله، فكتابي هذا للمتخصصين والباحثين .."، وهذا هدف طموح وضخم بالنسبة لباحث واحد، ولكنه وفق في تقديم مادة واسعة وغنية . وأوضح المؤلف نهجه في الكتابة، فهو يرى أن التاريخ تحليل ووصف لما وقع ويقع، وهذا يعني ان على المؤرخ أن يجهد نفسه كل الإجهاد للإحاطة به والتفتيش عن كل ما ورد عنه، ومناقشة ذلك مناقشة تمحيص ونقد عميقين، ثم تدوين ما يتوصل إليه بجده واجتهاده تدويناً صادقاً، متجنباً إصدار الأحكام والآراء الشخصية، القاطعة على قدر الاستطاعة،  أن منهجه يتلخص في الإحاطة بالمواد المتصلة بالموضوع ومناقشتها وتمحيصها ونقدها، ثم ليكتب ما ينتهي إليه بأمانة، ولكنه يتحرج من إصدار الاحكام، ولا يريد إن ينصب نفسه حاكماً مهمته إصدار إحكام قاطعة، كما يقول بل اكتفى بوصف الحادث وتحليله كما يبدو لي".ومن قراءة الكتاب يتبين اجتهاد المؤلف في محاولة الوصول إلى كل ما يتصل بتاريخ العرب قبل الإسلام، حسب مخططه من مصادر أولية وكتابات ونقوش جاهلية ودراسات حديثة، وحرص على تقديم ما توفر له من مواد، بعضها قصصي أو إخباري، وحرص على ان يقدم خلاصة أو نتائج الأبحاث والدراسات الحديثة للمستشرقين و الاثاريين والرحالة الغربيين، وهذا طبيعي فاعمالهم هي الغالبة كماً ونوعاً وهي الرائدة، وما كتب في العربية في حينه يتمثل في كتاب محمود شكري الالوسي ـ بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب، وجرجي زيدان ـ العرب قبل  الإسلام وفي محاضرات بعض الأساتذة في الجامعات، مقدمة للتاريخ الإسلامي . وهو بعد ذلك يوثق ما يكتب في الغالب، إذ يشير إلى مصدر / مرجع كل ما يكتب بعناية واضحة . وهذا عمل ليس باليسير اذا تذكرنا إن جل الدراسات الحديثة وأعمقها جاءت بلغات غربية عدة. إن شعور المؤلف بأهمية التعرف إلى موارد (مصادر) التاريخ الجاهلي، جعله يخصص فصلاً  خاصا للتعريف بها. يتناول النقوش والكتابات، والتوراة والتلمود، والكتب الكلاسيكية، والموارد النصرانية، والموارد العربية الإسلامية، والمؤرخين المسلمين. ولعله من رواد هذ المجال في العربية، بل ان اهتمامه بتحليل المصادر (تاريخ التاريخ)، أوصله  إلى كتابة دراسة ( في مقالات) في موارد تاريخ الطبري في صدر الإسلام تناول فيه أهم الإخباريين الذين رجع إليهم الطبري في كتابته عن تلك الفترة ولا تزال مفيدة للباحثين.أعطى جواد علي رأيه في الكثير مما تناوله في كتابه، لكن عنايته بالإحاطة بما يتوفر من معلومات كانت هي الأساس. أن تحرجه من إصدار أحكام قاطعة قد يكون له صلة بتواضعه، ولعل الأبعد أثراً عدم توفر المعلومات الموثقة إلا في القليل، وجرأة البعض في توسعهم في إصدار الاحكام المبنية على التخمين والظن" والواقع إن آراءه مبثوثة في الكتاب منذ البداية، ولكن بحذر واعتدال. ففي دراسته لفظة (العرب) التي جمع فيها بالأساس، بين الدراسات الحديثة والعودة للنقوش ومناقشتها انتهى إلى أنها تعني "الإعراب" وأن المعنى الشامل للكلمة جاء مع الإسلام، من دون إن يوضح كيف حصل ذلك، ويخلص إلى إن لفظة (ع ر ب)، (عرب) هي بمعنى المتبدي في كل اللغات السامية ولم تكن تفهم إلا بهذا المعنى في اقدم النصوص التاريخية التي وصلت الينا، ثم يشير الى لغات العرب قبل الإسلام مثل المعينية والسبئية والحميرية والصفوية والثمودية واللحيانية وأمثالها، ويتساءل عنها وعن أصحابها فيجيب أنها لغات عربية وأهلها عرب بل يذهب إلى إن اللغة التي نزل بها القرآن لم تكن إلا واحدة من تلك اللغات، ثم يتابع ليبين أنها لهجات عربية، ثم يستطرد ليبين أن " هذا ينطبق على النبط، وعلى من كان على شاكلتهم، وان عدهم علماء النسب والتاريخ واللغة والاخبار من غير العرب ولكنهم مثل ثمود والصفويين عرب . ويفضي الحديث عن اللغة إلى أصحابها ( العرب) فيبين المؤلف انه سترد في بحثه أسماء قبائل عربية كثيرة لا عهد للإسلاميين بها ولا علم لهم عنهم ذكروا في التوارة وفي كتب اليهود الأخرى، وفي الموارد اللاتينية واليونانية والكتابات الجا