"السيادة الوطنية وحدود البلاد الجغرافيّة خطّ أحمر، ولا يُسمح بالنَّيل منها وتجاوزها إطلاقاً" .. هذا الكلام ، وهو ما انتهى إليه اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في بغداد أمس، منطقي وبدهي تماماً، فما من قيمة ولا اعتبار لبلاد منتهكة السيادة ومتجاوَز على حدودها، وما من كرامة للشعب في بلاد من هذا النوع.
في هذا الإطار ينبغي فهم تظاهرة الاحتجاج التي نظّمها بعض النشطاء أمس أمام السفارة التركية في بغداد للتنديد بدفع أنقرة بعض قوّاتها المسلّحة إلى محافظة نينوى في الأيام الأخيرة وللمطالبة بالسحب الفوري لها .. وكذا الدعوات للخروج في تظاهرة مليونية في ساحة التحرير بالعاصمة يوم السبت المقبل للغرض نفسه.
لكن..
السيادة الوطنية وحرمة التجاوز على الحدود الجغرافية كلٌّ لا يتجزّأ، فالسيادة الوطنية لا توجد وتكون في القسم الشمالي من البلاد من دون غيره، ولا حرمة الحدود تختصّ بالحدود الشمالية من دون سائر الحدود في سائر الجهات ... ما مرّ عام على العراق، منذ 2003 حتى اليوم، من دون أن تُنتهك فيه سيادته الوطنية وتُخترق حدوده الجغرافية .. جيران العراق جميعاً كان لهم دور في هذا، فضلاً عن دول أخرى من خارج الإقليم، وهذا ناجم في الأساس عن أنّ الطبقة السياسية التي تولّت مقاليد البلاد فشلت فشلاً ذريعاً في إقامة دولة بسيادة مهابة وحدود محترمة.. والأنكى أنها متمسّكة بعناد صبياني بمواصلة فشلها.
المحتجّون على الانتهاك التركي لسيادتنا الوطنية وحدودنا لهم كل الحق في الاحتجاج والتنديد والاستنكار، لكنّ موقفهم سيفتقد الصدقية طالما اقتصر احتجاجهم على التجاوز التركي من دون غيره.
كل الاحتجاجات والاستنكارات ضد انتهاك السيادة والحدود تستند الى اعتبار واحد هو الوطنية، لكنّ الوطنية هي الأخرى كلٌّ لا يتجزأ .. الوطنية لا تقتصر ترجمتها على الدفاع عن سيادة البلاد وحدودها الجغرافية ... الوطنية لها ترجمات أخرى كثيرة جداً في الواقع.
من الوطنية أيضاً، في ما يتعلق بأوضاعنا الراهنة، أن يتظاهر الناس احتجاجاً على تردي الخدمات العامة واستمرار وتفاقم الصراع السياسي غير المبدئي، المدمّر، بين القوى المتنافسة على السلطة والنفوذ والمال .. ومن الوطنية كذلك أن يتظاهر الناس ضد نظام المحاصصة اللعين الذي وضع الدولة في أيدي عديمي الكفاءة والخبرة إلا في مجال الفساد الإداري والمالي، الذين زعزعوا أركان الدولة وحطّموا اقتصاد البلاد.
المتحمّسون بقوة الآن لتنظيم التظاهرة المليونية يوم السبت المقبل للاحتجاج على الانتهاك التركي لسيادة بلادنا ولحدودها الجغرافية، لم نرههم يُبدون -ولو أدنى درجات الرغبة -بالمشاركة في التظاهرات المناهضة لنظام المحاصصة وللفساد الإداري والمالي .. وهذا يطرح أسئلة منطقية وبدهية من قبيل: هل يمكن تجزئة الوطنية إلى قسم يناهض الخرق التركي للسيادة والحدود وقسم آخر يلتزم الصمت حيال نظام المحاصصة وحيال الفساد الإداري والمالي؟ .. لماذا لا يأتي نصف ربع مليون منكم إلى ساحات التحرير أيام الجُمع للاحتجاج على الفاسدين والمفسدين وللتنديد بفسادهم الذي سمح لتركيا وسواها بانتهاك سيادة بلادنا الوطنية واختراق حدودها الجغرافية؟!
أسئلة برسم المتظاهرين ضدّ تركيا
[post-views]
نشر في: 8 ديسمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
د عادل على
ان تدمير الاسلحه الثقيلة للجيش العراقى من قبل الجيش الامريكى هو السبب الرئيسى لدخول القاعدة والداعش والجيش التركى فى العمق العراقى فى الموصل--------انا اعتقد ان دخول الجيش التركى اندار خطر لتقسيم العراق الدى يحبه الامريكان حسب تصريحات مكررة لساسه امريكان