قد يكون العنوان صادماً وينطوي على شيء من الادّعاء الذي يعجز الكثيرون، بمن فيهم الكاتب، عن إثباته، لكنها الحقيقة، فتنظيم داعش هو صناعة أنكلوساكسونية بامتياز!
بالتأكيد لا أزعم وجود علاقة تنظيمية بين داعش والولايات المتحدة، رغم ارتفاع أصوات أميركية مؤثرة تدعو للتعامل مع التنظيم الإرهابي بوصفه كيانا يمتلك كل مقومات الدولة من الشعب والثروات والجيوش فضلا عن العلم والعملة والثروات. إذ يبالغ منظّرو الواقعية الاميركية بدعوتهم هذه حد تشبيه دولة داعش بالسعودية، التي تأسست على الفكر التكفيري ذاته، وهو ما لم يمنع الرئيس فرانكلين روزفلت من إبرام اتفاقية ستراتيجية مع عبدالعزيز بن سعود في اجتماع البارجة كوينسي عام 1945. ويذكر أصحاب هذا الاتجاه باضطرار واشنطن للاعتراف بالصين الشيوعية عام 1972، بعد ثلاثة عقود من نجاح ثورة ماو تسي تونغ.
كل ما يقال عن تورط أطراف إقليمية في لعبة داعش مجرد أقاويل بالإمكان مناقشتها على بساط التحليل العلمي وليس العاطفي، ألا ان الدور الاميركي في هذا الإطار يبدو واضحا وبيّنا اكثر من غيره.
ولو تجاوزنا التغاضي الاميركي عن "أكاديمية بوكا" التي تحولت الى مختبر لتهجين وإنتاج تنظيم "بعثوتكفيري"، فليس بإمكاننا تناسي الإطار السياسي الذي سوّقته الإدارة الاميركية لتبرير ولادة داعش واستفحالها سواء في العراق أو سوريا.
إدارة أوباما التي أصرت على تنفيذ خروج غير آمن من العراق وترك المنطقة في مواجهة المجهول، ركزت، منذ سقوط الموصل، على سردية تهميش السنّة كمحرّك أساسي لصعود داعش والنصرة وأخواتها في المنطقة. هذا التبرير يتقاطع ويتناقض مع موقف واشنطن من القاعدة ومجاميع ما تسمى بـ"المقاومة" التي قتلت المئات من الاميركان في العراق، وكانت للمفارقة ترفع راية الثأر لأهل السنّة من المحتل.
لقد منحت إدارة واشنطن لداعش، بقصد او بدون قصد، شرعية سياسية منعت وعرقلت القضاء على التنظيم في بداياته متحججة بإنصاف سنّة العراق وسوريا الذين اختاروا داعش والتنظيمات التكفيرية للإفلات من سطوة جيوش بغداد ودمشق اللتين يسيطر عليهما الشيعة والعلويون.
ولا يخفى أن مثل هكذا حجج وذرائع تستبطن اتهاماً خطيراً لشرائح واسعة من العراقيين والسوريين بالانحياز للتنظيمات الارهابية على حساب الدولة والنظام السياسي في البلدين مهما كانت مساوئهما.
وتتنافى هذه الرؤية مع الإصرار الاميركي على ضرورة تجنيب المدنيين واهالي المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش عن مخاطر الضربات الجوية التي ينفذها طيران التحالف او العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش العراقي. فكيف تحرص على حماية من تتهمهم بمهادنة التنظيمات الارهابية لدوافع طائفية؟!
وفضلا عن الشرعية السياسية والاخلاقية، فان تخبط إدارة اوباما في مقاربة الحل اسهمت باستفحال خطر داعش. فبالرغم من تمسك الادارة الاميركية بسياسة احتواء داعش في العراق وسوريا ومنع تمدد خطر التنظيم خارج هذين البلدين، لكن التنظيم الارهابي نجح بالضرب في مصر والخليج ومكنته السياسة المتخبطة لواشنطن والغرب من احتياز المتوسط ليضرب في باريس ويطعن في أنفاق لندن، وليُقلق أوروبا والولايات المتحدة ذاتها.
حالت واشنطن، بفعل ضغوط سياسية مارستها على بغداد، دون اندفاع الجيش العراقي وقوات المتطوعين، السنّة قبل الشيعة، وسمحت بسقوط الرمادي التي قاومت اكثر من 14 شهرا. واستندت الولايات المتحدة في موقفها معتمدة سلسلة من الحجج كإنشاء الحرس الوطني، وإشراك ابناء العشائر، وترتيب الوضع السياسي للمناطق السنيّة بعد التحرير. مارست واشنطن كل هذه الاشتراطات، غير مبالية بتفاقم الازمة الإنسانية لأبناء المناطق المحتلة أولا، ولا باشتداد قبضة داعش على المناطق المحتلة ثانيا.
لا أزعم ان داعش أميركية الوجود، فهذا مما لا يمكن إثباته، لكنها أميركية البقاء بكل تأكيد!
نعم داعش أميركية!
[post-views]
نشر في: 9 ديسمبر, 2015: 09:01 م