المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بقياس درجات النجاح والفشل في دول العالم تضع معايير محددة لإنجاز عملها على هذا الصعيد وتصنيف الدول الى ناجحة واقل نجاحا وفاشلة وأقل فشلاً (المحزن أن العراق يصنف سنوياً بين الدول الأكثر فشلاً .. والفضل يعود بالطبع إلى قوى الإسلام السياسي(الشيعية والسُنية الحاكمة).
من هذه المعايير الشفافية ، فكلما كانت درجة الشفافية عالية في دولة من الدول كان ذلك دليلاً على نجاحها. والشفافية رديفة الديمقراطية دائماً، فهي من أركان النظام الديمقراطي ودعاماته.
في برلين اطلع الوفد البرلماني – الحكومي – الإعلامي الذي زار جمهورية ألمانيا الاتحادية قبل أسبوعين، على تجربة اعلامية مميزة ترتبط بمبدأ الشفافية وممارسته في هذا البلد.. انها تجربة المركز الصحفي الاتحادي الذي ينظّم ثلاثة مؤتمرات صحفية في الأسبوع، يلتقي فيها الصحفيون مع ممثلي الحكومة ووزاراتها جميعاً ومع كبار المسؤولين في الدولة بمن فيهم رئيس، أو رئيسة الحكومة.
المركز لا يتبع الحكومة ولا البرلمان ولا أية هيئة أخرى من هيئات الدولة .. هو جمعية مستقلة يديرها الصحفيون بأنفسهم وينفقون عليها من حرّ مالهم.
في إطار زيارتنا نُظّمت لنا زيارة إلى المركز في يوم يعقد فيه مؤتمر صحفي.. في القاعة التي تمتلئ بنحو مئتي كرسي كان هناك نحو عشرين صحفية وصحفياً، وكنّا نحن أعضاء الوفد العراقي وعدد من طلبة إحدى كليات الإعلام ضيوفاً جرى الترحيب بنا في بداية المؤتمر، وعلى المنصة كان هناك ممثلو رئاسة الحكومة وكل الوزارات. وعلى مدى ساعة كاملة كان الصحفيون يسألون والممثلون يجيبون.. والموضوعات شملت كل شيء تقريباً بدءاً بقضية اللاجئين من بلداننا والخدمات المقدّمة لهم، والدور الألماني في الحرب ضد داعش والإرهاب عموماً، إلى قضايا الزراعة المحلية وسواها.
المركز تديره جمعية مشكّلة من 900 صحفي يدفع كل منهم مبلغاً من المال لتسديد إيجار القاعة والنفقات الأخرى، وهؤلاء هم من يحق لهم حضور المؤتمرات الصحفية. الذين لا يستطيعون الحضور أو لا يرغبون فيه يمكنهم متابعة المؤتمر الصحفي وهم في مكاتبهم عبر قناة تلفزيونية خاصة بالمركز. وللمركز هيئة تديره منتخبة من الأعضاء.
ما السلطة التي يملكها المركز وجمعيته على الحكومة لكي تبعث بممثليها ثلاث مرات في الأسبوع للإجابة عن أسئلة الصحفيين؟.. أحدنا طرح هذا السؤال على المدير الدوري للمركز الذي اجتمع بنا بعد انتهاء المؤتمر الصحفي، فأفادنا في جوابه بان حق الحصول على المعلومات المكفول لكل الألمان هو ما يُلزم مؤسسات الدولة بإرسال ممثليها وتقديم المعلومات إلى الجمهور عبر وسائل الإعلام. وأضاف ان الوزارة التي لا تبعث بممثلها ستكون هي الخاسرة لأنها ستفقد فرصة في عرض وجهة نظرها إذا ما كانت هناك قضية مطروحة تتعلق بها.
هل يمكننا أن نستعير هذه التجربة من الألمان؟
على المدى المنظور غير ممكن، فالأغلبية الساحقة من صحفيينا ليست لديهم فضلة من المال ليدفعوها شهرياً أو سنوياً، وحتى الآن لم تنشأ لدينا ثلاث أو أربع مؤسسات إعلامية تدرك أهمية خدمة كهذه لتتولى هي النهوض بتكاليف المشروع. وحتى إذا فعلت هذا فالأكيد أن أصحاب هذه المؤسسات سيسعون لحرفها عن أهدافها عبر مساوماتهم وصفقاتهم، وسيطاح بالمشروع من الأساس .. والأهم أننا لا نتمتع بحق الحصول على المعلومة، وحكوماتنا المتعاقبة ظلّت تعرقل تشريع قانون كهذا، وهو القانون الذي مرّت علينا الآن سنوات ونحن نطالب بتشريعه دون جدوى.. وحتى لو حصل أن شرّع مجلس النواب قانوناً بهذا الخصوص فسيضمنه أحكاماً مقيّدة تُفرغه من مضمونه، كما هي الحال مع قانون حقوق الصحفيين الصادر قبل أربع سنوات، وهو قانون جدير بأن يسمى: قانون حقوق الحكومة على الصحفيين! وكما هي حال قانون حرية التعبير المطروح على مجلس النواب الآن بصيغة يصحّ بها تسميته قانون تقييد حرية التعبير، فحرية التعبير قد كفلها الدستور على نحو مطلق، أما مشروع القانون الحالي فإنه يريد خنق هذه الحرية وتقييدها وليس تنظيم ممارستها.
المركز الصحفي الألماني
[post-views]
نشر في: 9 ديسمبر, 2015: 09:01 م