اهتمت الدراما العربية، سينمائية وتلفزيونية، بالمرأة ومنحتها فرصا كبيرة من حيث مساحة الادوار التي تلعبها او عدد الاعمال التي قامت ببطولتها نساء فنانات.. اضافة الى تناولها كافة المواضيع والافكار التي تخص المرأة او تتحدث عنها ولها، وهو امر طبيعي، لأن ال
حميدة العربي
اهتمت الدراما العربية، سينمائية وتلفزيونية، بالمرأة ومنحتها فرصا كبيرة من حيث مساحة الادوار التي تلعبها او عدد الاعمال التي قامت ببطولتها نساء فنانات.. اضافة الى تناولها كافة المواضيع والافكار التي تخص المرأة او تتحدث عنها ولها، وهو امر طبيعي، لأن التركيز على العنصر النسائي أمر جاذب للجمهور ومربح للقائمين على تلك الاعمال.
اما نوعية وطبيعة الادوار التي جسدتها المرأة، فان اغلب تلك الاعمال لم تنصف المرأة او تقدمها على حقيقتها ولم تغير من نظرة المجتمع لها، وظلت تركز على المرأة التي يريدها المجتمع الذكوري، بل ساهمت في ترسيخ النظرة المتخلفة عن المرأة فقدمتها بصور سلبية أو كشيء مكمل للصورة الاجتماعية للرجل، ولم تهتم بالجانب الانساني والابداعي للمرأة ( فكر المرأة، امكانياتها، عملها، حقوقها.. الخ). وقد اهتم كتّاب الدراما بعرض مشاكل المرأة ومعاناتها وطرحوها كما هي، فكل ما قدم ويقدم هو عرض لحالات اجتماعية موجودة وقائمة أو التذكير بها فقط، أي أن هؤلاء الكتاب قدموا وضع المرأة كما هو كائن ولم يتطرقوا الى ما يجب ان يكون عليه، فلم نشاهد عملا فنيا ينادي، او يطالب بإلغاء أو تعديل قوانين مجحفة بحق المرأة، أو يدعو لكسر قيود اجتماعية تعرقل مسيرتها، لأن مثل هذه الدعوة تتعارض مع ارادة الرجل ومصالحه.
في اعمال اخرى ، رسخ الكتّاب فكرة ان المرأة لا يمكنها القيام بأي عمل الا بمساعدة الرجل.. فنراها تحاول وتبذل الجهود الجبارة لكنها تفشل في النهاية وتطلب تدخل الرجل لانقاذها.. كما في مسلسلات وافلام كثيرة اشهرها ( الاستاذة فاطمة ) و( الافوكاتو مديحة).
والنظرة الذكورية القديمة، المستمرة ، تزعم ان المرأة لا يمكن ان تحقق شيئا مهما الا اذا دفعت ثمنا باهظا ازاءه.. لذا فهي تسلك طرقا غير سوية واساليب ملتوية لتحقيق احلامها والوصول الى اهدافها، وقد اكدت الدراما هذا الاعتقاد الخاطئ والمسيء للمرأة، حيث لا يوجد عمل واحد يخلو من تلك الشخصية السلبية المتمثلة بادوار السكرتيرة او الموظفة.. او سيدة الاعمال.
ومنذ بداية السينما والتلفزيون حتى السبعينات، افرزت الدراما، ثلاث صور رئيسية للمرأة.. صورة الدمية الجميلة، الضعيفة، الاتكالية.. التي يضعها الرجل داخل اطار حياته لتكمل له صورته الاجتماعية التي يرغب بها.. وصورة المرأة المتسلطة، صعبة المراس والمعاشرة.. التي يضطر الرجل لتحملها من اجل مصلحة او غاية في نفسه. وصورة المرأة المنحرفة التي تخطف الرجال وتفرغ جيوبهم.. والتي يرفضها المجتمع، فتضطر في النهاية الى الانتحار أو يقتلها المؤلف بحادث قدري لأنها خاطئة لا تستحق الحياة، بنظر المؤلف والمجتمع، ولا يتم التعامل مع الرجل بنفس الطريقة مهما ارتكب من اخطاء أو جرائم، حيث يجدون له التبريرات المناسبة دائما.
وقد ثبّتت الصور الثلاث حضورها في غالبية الاعمال الدرامية ـ السينمائية والتلفزيونية ـ ولعدة عقود.. ولم تتغير صورة المرأة الا في استثناءات قليلة او في بعض الاعمال المقتبسة والمأخوذة من الادب العالمي او الدراما الاجنبية.
وفي الربع الأخير من القرن العشرين تحولت الدراما الى الواقع تماما، لكنها بالغت في تجسيد ذلك الواقع وركزت على جوانبه البشعة وهولت تفاصيلها وأظهرت المرأة أبعد ما تكون عن الرقة والجمال، فهي متسلطة نكدية، تبحث عن المشاكل أو تسببها، أو مغامرة باندفاع وتهور أو ضعيفة مستسلمة لقدرها، الذي تؤمن به بقوة.. وكل هذه الصور تعكس نظرة الرجل للمرأة وموقفه منها، وهو موقف الحاكم، الظالم، الذي يفرض عليها اقسى العقوبات لأبسط الأخطاء.. لان مصير المرأة في الدراما لا يقرره الكاتب وانما الرجل الذي بداخله، بما يناسب مصلحته ومكانته، فيضع لها العقوبات التي ترضي المجتمع وتأكيد ذكوريته عليها.. وابرز مثال درامي في السينما العربية هو شخصية الخال في فيلم (دعاء الكروان) التي مثلت الرأي العام بكل جبروته وقسوته وصرامته، حين حكم على الفتاة هنادي بالموت رغم انها ضحية، معتدى عليها. وقد تنوعت العقوبات والنهايات التي يضعها الكتاب للمرأة التي ترتكب خطأً في الدراما، فمنهم من يجعلها تنتحر حتى لو كانت مجبرة او اعلنت توبتها.. او يقتلها بحادث قدري كأن تصدمها سيارة او تسقط بها الطائرة كما في افلام (نورا ، وارحم حبي ، ورجل وامرأتان).. او يتركها في الشارع متسولة او فتاة ليل، او منبوذة مهجورة، تقضي حياتها وحيدة مهملة.. كما في (شفيقة القبطية ، وامرأة على الهامش ، وحكاية ثلاث بنات.)
اما الدراما العراقية، ورغم خصوصيتها، فلم تبتعد كثيرا عن النهج العام للدراما العربية وهو عرض الحالات الاجتماعية أو التذكير بها فقط، والمرأة فيها اما ان تكون ضحية أو دكتاتورة او منحرفة، ولا تخلو صفاتها من المبالغة في الطيبة او الشر او الفهم الخاطئ للمرأة القوية، فتظهر مسترجلة بلا مشاعر ولا اخطاء ولا لحظات ضعف، كما في مسلسلات (سيدة الرجال، وغزالة وطريق نعيمة.)
وتفتقر الدراما العراقية الى الكاتب المتحرر الجريء الذي يؤمن بالمرأة ككيان قائم بذاته، مساو له في الحقوق والواجبات، يتحدى نفسه قبل المجتمع حين يرسم صورة المرأة او يقرر مصيرها دراميا، فاغلب الكتاب يسايرون المجتمع، حتى في الظواهرالمتخلفة، لتمرير نصوصهم او لاعتقادهم ان ذلك يكسب الجمهور ويجذبه للمتابعة.. وينقص الدراما، ايضا، ذلك المخرج الذي يمتلك رؤيته الفكرية الخاصة في معالجة الاحداث او وضع نهايات درامية مخالفة او مغايرة لرؤية وارادة المؤلف او المجتمع، كما فعل علي بدر خان في فيلم (شفيقة ومتولي) ـ وقصته حقيقية ـ حين تخلى عن النهاية المعروفة للحكاية ـ وهي مقتل شفيقة على يد اخيها متولي تحت مسمى الشرف ـ وجيّر، النهاية، لصالح المرأة وصالح رؤيته الفكرية.. بأن جعل شفيقة تموت برصاص القناصة ( رجال الحاكم ). وبعكسه في مسلسل (اعلان حالة حب)، فوّت المخرج العراقي حسن حسني، الفرصة على نفسه وجمهوره بإحداث تغيير درامي وفكري نادر، لو جعل الاب، في النهاية، يلقي سلاحه جانبا ويعفوعن ابنته، في ذلك المشهد المشحون بالغضب والكراهية والعنف، لانتصر للحب والمرأة واظهرالأبوة اقوى من الخطأ والانسانية اعلى من الانتقام..
وينسى ـ او يتناسى ـ القائمون على الدراما، ان المرأة العراقية ليست بحاجة الى من يذكّرها بمعاناتها او يعيد عليها سيناريوهات عذاباتها وصبرها، بل بحاجة الى من يدعم حصولها على حقوقها كإنسانة ومواطنة ويعترف بمكانتها ودورها الذي تلعبه في كافة مجالات الحياة والتي دخلتها بتحد وقوة، وهذا ما تفتقده الدراما العراقية بعد 2003 والتي اعادت ورسخت النظرة السلبية عن المرأة، بتبنيها الافكار والعادات القبلية والعشائرية والرجعية، سواء في طرح النماذج النسائية او في طريقة المعالجة والتعامل معها.. بعيدا عن الفن والابتكار والمعاصرة، ودون التفكير بدور متميز ـ للدراما ـ في عملية التغيير الاجتماعي والحضاري، فثبتت، تلك الدراما، الصورة النمطية للمرأة واكدت المصير المعتم الذي ينتظرها، خارج الدائرة الذكورية المرسومة لها.