TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > هاني دلة علي.. ألبومات وجوه وشواخص بلا ملامح

هاني دلة علي.. ألبومات وجوه وشواخص بلا ملامح

نشر في: 19 ديسمبر, 2015: 12:01 ص

استمكن الفنان التشكيلي (هاني دلة علي-تولد الأنبار1969،خريج معهد الفنون الجميلة/بغداد  1990،شارك في أعمال دورة خبير ترميم أعمال فنية وآثار بولندا/ 2005)، تدقيق ثقته بأدواته التعبيريّة،وتآزر أنساقه التائقة نحو التمّيز والتمهيد في بلورة تجربته،خاصة

استمكن الفنان التشكيلي (هاني دلة علي-تولد الأنبار1969،خريج معهد الفنون الجميلة/بغداد  1990،شارك في أعمال دورة خبير ترميم أعمال فنية وآثار بولندا/ 2005)، تدقيق ثقته بأدواته التعبيريّة،وتآزر أنساقه التائقة نحو التمّيز والتمهيد في بلورة تجربته،خاصةً بعد حدث أقامته معرضاً ثنائياً مع الفنان الكبير الراحل محمد مهرالدين على قاعة حوار-حزيران العام/ 2004،والذي كان لي شرف قبول دعوة(مهرالدين) الشخصيّة في كتابة دليل معرضه مع (هاني).

وكنت قد أشرتُ إليه بنص ما ورد من بعض سطور تلك المقدمة المُختزلة-بحسب ذلك الطلب-أقول فيها:(هذا معرض يُداني-باعتزاز أكيد وإكبار-إذكاءات موهبة فنان مُفكر وكبير هو مهرالدين ،جمرات هذا التلاقي والتباري اعترافاً بمنجزات جيل توالد من ركام ورماد الأزمات والحروب،ليطرد بالجمال الروحي كوابيس الدهاليز المُظلمة،الاثنان-معاً- مهرالدين والدلة علي،وما يُباعد بينهما إلزاماً...الزمن وسنوات التجربة،تحاورا بصريّاً على قناعة لا تُبالي للتبويب والتجييل إلا على مقاسات الإبداع...فأنشآ هذا المعرض المُشترك،لكي يُوقفا-ولو للحظات-دبيب زحف الزمن الجاحد في وطنٍ-لم يزل- يُقاسي جحيم الإحجاف في كل شيء...سوى المحبة)20مايس/2004.
لقد اتسعت خطوات هاني،وامتدّت مسارات رؤاه إلى ما هو أبعد-هناك- حيث أقام معرضاً شخصيّا على أروقة القاعة الرئاسية في العاصمة البولونية-وارشو/2005 وتلاه آخر في العام 2006على قاعة(كنزة)طوكيو-اليابان،ومعرض في سبارو/اليابان -ايضا- ثم توالت معارضه في بيروت(قاعة زمان)2008وعمان(الأورفلي)2009و(الأندى)2013وفي بغداد على قاعة الفنون في مبنى وزارة الثقافة/2014 وكان قبلها قد نال في العام/2009جائزة الإبداع الممنوحة إليه من الجامعة العربية،كما قام بتصميم (نصب السلام) المؤمل تنفيذه-في وقت قريب- في ساحة المتحف في جانب الكرخ من العاصمة بغداد،فيما شَهد يوم الثالث والعشرين من آب/2015  افتتاح معرضه الثنائي المشترك مع النحّات(هيثم حسن)على قاعة الأورفلي في العاصمة-عمان حمل عنوان (Bronze…Paper)،والذي تباهى بمثابة كونه جذوة إنطلاقٍ مضافة  إلى ألبومات (هاني دلة علي) في خِضم تفهمّاته النوعيّة لمعنى الحداثة،وقيّم التعامل بالمضون متوافقاً مع بهاءات الشكل الذي أغراه في كنف قِطاف تجربةٍ مُثمرةٍ عبّر عنها  من خلال تبنيه لمتعة أزدهارات الصحراء التي حَرص على تلوينها بالنسق الأخضر في مبتدأ خطوات وعيه الأول نحو ذلك المنحى التجريبي الذي عززّ من ثوابت تلك الثقة التي تقف عليه-اليوم بثبات- تجربته.
يُحيي (هاني) ملامح وجوه أبطاله-والتي عادةً ما يميل بها إلى تتويج وجه الأثنى أكثر من ميله الى تمجيد وجه الرجل،بالرسم... طبعاً- بذلك النوع من هواجس التحفيز ومساعي والتحريض،والأسى الذي يسكن تلك الوجوه بأرواحها الهائمة،وأحلامها المُغادرة نحو مجاهيل غارقة-هي الأخرى-في لجج الحيرة والتوهان في عالمٍ لم يعد يتسع لكل تلك الهواجس والظنون والأحلام الدافئة،التي كانت تقترحها ذائقة  الفنان،بوعي تناغٍ وتلاحمٍ مابين علاقات وتكويناته الملحميّة في نسق توليه للمربعات على هيئات أشرطة أو مقاطع أو(فريمات) تتابعيّة على جسد اللوحة الواحدة،،والتي يحشر بفضاءاتها المحددة بتلك القياسات الهندسيّة بعض تلك الوجوه،بملامحها الغائبة،وحضور أحزانها ولحظات أساها على نحو غنائي،غايةً بالعذوبة والترف الحزين ،الذي يساوم به(هاني) صدق نوازعه،بحُكم فتنة الجَمال التي تسكن ذلك الوعي المرهون بجملة من استنارات حسيّة وأخرى معرفيّة،أضحت هي من تحددّ مسارات ومرتسمات النهج والأسلوب الذي اتبعه في ملاك معرضه الأخير،كجانب تعويضي لكميات حزنٍ مدقع،توافد ما بين التعبير عن الرحيل بالموت أو الفقدانات التي اجتاحت حياتنا في عراق ما يسمّى بـ(التغيير)،ومابين اللجوء إلى الاحتماء بالحلم وتدّفق الذكريات،عبر تلك الألبومات التي حوتها أعمال (هاني) المُنفذة بحس وتأسيس حاذق باللعب المُتقن للأحبار وألوان(الأكريلك) التي استنهض بها جُلّ طاقتها التعبيريّة وحساسيتها في التعويض عن حجم الانفعال الآني وسطوة اللحظات الحاضرة على روحية الفنان بالتعبير عن دواخله.
أعمال تتآخى فيها تلك الوجوه والأرواح المُغادرة مع بعضها بجو حميمي يلّف به الحُزن من كل جانب،بيد أن رهافة التقنيات،وتجليات تضافر عوامل جماليّة،تتيح رؤية مَشاهد ومقاطع بانوراميّة تشي بنوع من الانسجام الداخلي للجو العام للوحة الموشاة بألوان حياديةّ،مستقرة تنكسب عليها الأحبار- سواء أكان ذلك على الورق أم على مساحات (الكانفاس)-لتزيد من وهج التواشج والتناغي بهذا الاستقرار والاتزان الذي يميّز سحر وسر التقنيّة التي التزم بها(هاني) مُوثقا لجوانب وحالات من مِلاك مُتحفه التخيليّ،سواء أكان ذلك المِلاك قادما  من كوامن الخيال الإرادي،أو من محتوياته اللاإرادية.
لكن ما يجعل بنية العمل الداخليّة،وفق تواليات الإرداة أو تماهيها مع الغاطس منها في ثنايا اللاوعي أو اللاشعور الكامن في قاع روح هذا الفنان المُلتزم بقواعد فهم عالٍ لمقومات الدرس الأكاديمي،وحقيقة النهج الواقعي،حذرة ومحافظة على روحيّة وسلامة التفكير المُثخّن بالكثير من الذكريات والمشاعر التي سعى إلى إيصالها (هاني) بحفول رؤية متقدمة،واعية لمسببّات وجودها،داخل هذا التواصل والتنامي والتلاقي الحي الذي يمسك جوانب العمل الفني بتصديرات لوّنية متفاعلة مع الجو العام،ليس داخل اللوحة الواحدة-ورقيّة أم قماشيّة كانت-بل في عموم سياقات تلك المعروضات المُبهرة من حيث قوة البناء،ومن حيث قوة الفكرة،وجدارة الموضوع الذي عَزف على منواله(هاني) تراتيل شجونه وأغنيات حنينه الدافئ للدعة والصفاء والجَمال  والهدوء الذي يغمر جميع لوحاته،وتفرّداته المُحسوبة بإزاء الاحتشاد غير المُثقل على مساحات اللوحة،كذلك من حيث كثافة الإحساس ورهافته،ووفرة المعنى الذي جاءت به. تبوح خلجات الفنان الذي استطاع أن يوازن ما بين قيمة الحذف الحاذق،والامتلاء الواثق من الوصول الى غايات كبرى،حفلت بها وجوه وشواخص(هاني دلة علي)بعد أن فوّض لمشاعره ونصاعة موقفه الإنساني،لكي تنوب عنه عبر تدّفقات هذا الجَمال الشفيف،وهذا النسق الممزوج ببراعة تقنيات ووثوب تصاميم ،بَرعت مُهيمنةً في مهام إيصال تناغمات تلك الأجواء التي نَسج منها الفنان كل هذه العذابات،والتي حاول من خلالها استرجاع مفاتن ذكرياته وتحسّراته بفيوضات تكهنات ومجرى دفاعات جماليّة،اتسمت بالاختزال المُحاذي لذلك الاحتشاد الذي أسلفنا ذكره،تعليلاً عيانيّاً لقيمة المسعى،ومهارة الدربَة التي استثمرها لصالح توضيحات ضمنيّة،ترواحت ما بين لحظات تلاشي ونوبات غياب،وما بين أبهة حضورٍ وسمو حزن وسحائب لوعات،باغتها(هاني)بوضوع خطوط فاصلة لبعض الوجوه والشخوص التي أطرّها بعناية فائقة،دون أدنى مساس بحتميّة وضوح المشهد أو اللقطة،التي اندغمت وتماهت ممتزجةً مع الجو النفسي والروحي لتلك الأعمال،كما أعطت تلك الخطوط والعوازل الوهميّة والمفترضة -معاً- شحنات عاطفية ونوازع دراميّة،استقرت كمُوحيات وتصوّرات لحالات العزل والفصل التي نشأت تباعد الواحد منهم عن الآخر،في مهب صراعٍ قائمٍ في ذات وذرات حياتنا الراهنة،بحاصل فعل تراكمات الظروف وتردي الأحوال،وتزيدات احتمالات الرحيل والهجرة  بوسائل شتى أضحت غريبة ومُحيرة.
تنبري تُقصدّات(هاني) بعدم التلويح بفرض مُكملات الشكل العام للوجوه التي ابتكرها اختزالاً نوعياً،فقد حافظ على رسم بعض الإكسسورات للوجوه النسائية مع بعض التفاصيل والمُكملات ،فضلاً على تثمين ما يميّز الرجل عنها،فيما استدار الى تطويع الخط الُمتقن النتائج والأسباب لصالح التعويض عن موجزات مُستلة من تلك الشواخص التي راح يحذف منها ما يشاء،وبما لا يؤثر على أيصال دواخل فكرته،وسمو رؤاه وتفرّدات نهجه التعبيري الخالص،بل تقصّد -أيضا- على بث مفردات ولوازم أضحت مكملات تمهيديّة في خلق ِتناسقٍ ممهور بالنزعة الأسلوبيّة التي اتبعها وتبنّى قيادتها،بفائض قيمة معادلات زيادة فُرص التاويل لدى المُشاهد والرائي لأعماله القادرة على تحَسيسهُ بفكرة سطوة الغياب،عبر محاولات تعمُّده وسعيه على تضيّع ملامح تلك الوجوه،مع فرض إمكانيات عالية الدقة بخصوص التعبير عن صدق وصراحة المشاعر التي تحملها تلك الشخصوص والوجوه،التي لم تضيّع أو تُبددّ قسوة الظروف نصاعة نظافة دواخلها وتطلعات احلامها.
أن ما يشدّ من قيمة المنجز المُلّخص في مجمل سياق هذا النهج التراتبي،وضوح الفكرة وصعوبتها في ذات لحظات الخشوع التي كان يمارسها(هاني)ويُغدق عليها من مكملات وعيه وسوانح اشتياقاته لذلك الماضي الذي لازم رسم كل هذه الإنفعالات التي كان يحاول تعليلها بقدرات تأويليّة،ويعيد من ملامحها (هو) كما ليست (هي)،وتلك قدرة دفاعيّة فذة لمن يعي فكرة رسم الغياب حاضراً،ومرهوناً بلوامع من ذكريات وأماني مكللّة-بوضوح المعنى-على حساب لغة التجسيد،لقد سار(هاني)في مفازات وحقول ألغام،استطاع تجاوزها بذخيرة إحساس متقدم في نبوغ طبيعة التعبير عنها،دون ملامستها بأصابع دناميت مدّمرة،بل فاق في توضيح مقاصده متدرعاً بخيالٍ رحب،ودأب صبر بغية ترسم كل تلك الحدود الفاصلة مابين اغواءات التجريد المحض،والتعبير الحاني،الذي حَرص على الاستمتاع به(هاني)في رصد وفحص مقومات هذا الاجتراح المُثمر في نبل تجربته،رغم قتامة الحزن وأثر حرقة الذكريات التي استهدفها في مرتسمات وبهاءات أعمال هذا المعرض الأثير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram