في دائرتنا وحدها تجاوزعدد الذين قدموا طلباتهم للحصول على التقاعد عشرات الموظفين بعد ان شملت الرواتب الوظيفية سياسة الترشيق وكثرت الاستقطاعات التي تحمل مسميات عديدة ..وبعد ان كان الموظف يبكي وهو يودع وظيفته وتقام له حفلة توديع من زملائه ويكافيء بمبلغ مالي تقديرا لخدمته، صار يقول لكل من يسأله عن سبب سعيه للتقاعد حتى قبل بلوغه السن القانونية " اكسب راحتي " وربما يحتفل بعد انتهاء معاملة التقاعد المضنية ويشعر بالتفوق على زملائه لأنه امتلك حريته اخيرا !
ماالذي حول الوظيفة في السنوات الاخيرة الى قيد يرهق الموظف ومصدر تهديد دائم له ؟...انه غياب العدالة اولا في التعيينات وتوزيع المهام الوظيفية واسلوب التعامل بين الموظفين الكبار ومرؤوسيهم ، وتعرض الرواتب غالبا الى استقطاعات تقصم ظهر الموظف الذي يقسم راتبه غالبا بين القروض والسلف ومتطلبات المنزل الشهرية الاساسية كخطوط النقل وخطوط المولدات الخاصة والانترنت عدا المبالغ المخصصة للتدريس الخصوصي في حالة وجود طلبة بين ابناء الموظف وغير ذلك...
في السابق ، كان التقاعد يشكل للموظف نهاية رحلة جميلة من الشعور بكيانه ووجوده وهو يخدم بلده وكم صادفنا من بين آبائنا ومعارفنا ممن اصابتهم كآبة مابعد التقاعد وبعضهم كان يستيقظ باكرا ليرتدي ملابس الوظيفة ويخرج من المنزل لتستقبله مقاهي المتقاعدين فهي افضل بالنسبة له من المكوث في المنزل وشعوره بأنه آلة معطلة تنتظر النهاية ...أما موظف اليوم فيشعر بكآبة دائمة طوال عمله الوظيفي حين يرى من هو اقل منه عمرا وخبرة يتبوأ مناصبا هو أحق منها به بسبب العلاقات الخاصة او المحاصصة الطائفية وحين يقضي نصف يومه في الخارج بسب زيادة عدد ساعات الدوام مضافا لها ساعات يقضيها في الازدحامات المرورية فضلا عن شعوره بأنه آلة معطلة بسبب الترهل الوظيفي والبطالة المقنعة ....
مؤخرا ، شمل نظام الترشيق رواتب المتقاعدين ونفى مكتب العبادي مسؤوليته عن ذلك وان وزارة المالية هي التي قررت ذلك بينما باشرت هيئة التقاعد باستقطاع الرواتب وردت على تساؤلات المتقاعدين بأنها جهة تنفيذية وان المبالغ المستقطعة ضئيلة ولاتعني شيئا ، فهل يصح الأمر بالنسبة للمتقاعدين وهل لاتعني لهم تلك المبالغ شيئا بينما تلتهب اسعار السوق يوميا وتزداد متطلبات الحياة اليومية ؟
ردا على ذلك ، قامت الجمعية العراقية للمتقاعدين باصدار بيان تعترض فيه على هذا التقشف التعسفي بحق المتقاعدين وستشهد التظاهرات الاسبوعية بالتأكيد محاولات يائسة لاسماع اصواتهم الى الحكومة لكن القرار لم ينتظر تعديلا او تريثا او الغاءا بل تم تنفيذه مباشرة في الوقت الذي مازال المسؤولون الكبار ينعمون برواتبهم كاملة ويضيفون اليها ماتيسر من اموال يمكن استقطاعها من خزينة الدولة التي تقف عاجزة امام المواطن وتقف صاغرة مطيعة امام طمع المسؤول.... هي معادلة غير متوازنة بالتأكيد في بلد يقف على حبل رفيع محاولا الاحتفاظ بتوازنه لكن المعادلات غير المتوازنة باتت اكثر من ان تعيد اليه التوازن ...فهل سنخشى عليه من السقوط؟
حمى التقاعد
[post-views]
نشر في: 18 ديسمبر, 2015: 09:01 م