في الخامس والعشرين من كانون الأول يحتفل العراقيون بـ "يوم المثقف العراقي" ، وهو اليوم الذي يهدف المحتفلون به إلى ترسيخ مبادئ المقاومة الثقافية لكل ما ومن هو ضد الثقافة والمثقفين من دعاة الإرهاب والعنف والطائفية البغيضة. كما يأتي هذا الاحتفال استجابة
في الخامس والعشرين من كانون الأول يحتفل العراقيون بـ "يوم المثقف العراقي" ، وهو اليوم الذي يهدف المحتفلون به إلى ترسيخ مبادئ المقاومة الثقافية لكل ما ومن هو ضد الثقافة والمثقفين من دعاة الإرهاب والعنف والطائفية البغيضة. كما يأتي هذا الاحتفال استجابة لما تمليه القيمة الحضارية والتاريخية للمثقف العراقي ، والذي طالما عانى ويعاني من أجل الدفاع عن حرية الفكر والأدب والثقافة ، وهو ما يستوجب الاهتمام به ولفت الأنظار إليه وإلى رحلة عطائه الممتدة .. وبهذه المناسبة استطلعت "المدى" آراء بعض المثقفين والأدباء والفنانين العراقيين فيما يخص هذا اليوم وفيما يتعلق بوضعية المثقف العراقي مكاناً ومكانة ، في ظل أزمة وطن ومحنة ثقافة .
يوم للسلام والتسامح
فقد أعرب الأديب "محمد رشيد" ـ مؤسس دار القصة العراقي ومؤسس مؤتمر القمة الثقافي العراقي للمدى قائلاً : "إن يوم المثقف العراقي يمثل عيدا للمثقف العراقي واﻻحتفاء بمنجزه الثقافي والإنساني ، وهو يوم نذكّر فيه العالم أن هذا اليوم هو يوم السلام والتسامح والمحبة ، ورسالة من المثقف العراقي أنه دائما مع البناء الروحي للإنسان" . وعن المثقف العراقي المغترب قال الرشيد : "إن المثقف العراقي المغترب دائما معنا بروحه وكتاباته التي تجاوزت القارات أذكر منهم الكاتب المبدع جاسم المطير والشاعر عيسى الياسري والبروفيسور د. تيسير الآلوسي . الكاتب نهاد القاضي والكاتبة باسمة بغدادي والفنان حمودي الحارثي وآخرون وهؤﻻء كلهم معنا جميعا يعملون في كل نشاطاتنا " .
دور متراجع
وحول رأيه في وضعية المثقف العراقي مكاناً ومكانة في الوقت الحالي ، أعرب القاص العراقي المغترب "فيصل عبد الحسن" للمدى مؤكداً أن مكانة المثقف في أي مجتمع تتحدد من خلال دوره في هذا المجتمع وتقبل المجتمع لدوره ذاك، ووضعه في صدارة اهتماماته، وأنه وفق هذا الطرح ، انحدر للأسف دور المثقف العراقي كثيراً في ظل صراع طبيعي يعانيه المجتمع العراقي منذ العام 2003 مروراً نحو محاولات التحول من نظام دولة شمولية إلى نظام آخر يطمح أن يكون ديمقراطياً، موضحاً أن كل فئات المجتمع العراقي ؛ مثقفة أو غير مثقفة ، حاولت الحصول على مواطئ لأقدامها في السلطة والثروة في البلاد في ظل النظام الجديد ، وأن فئة المثقفين للأسف ـ وفي هذا الإطار ـ لم تفرز قيادات صالحة ونزيهة يمكنها تمثيل الثقافة العراقية حقاً ، بل أفرزت بعض المتنفذين في وزارة الثقافة العراقية وفي اتحاد الأدباء في بغداد ، ممن لا يمثلون إلا مصالحهم ومصالح عائلاتهم وأقربائهم وأصدقائهم ومنادميهم في جلسات المساء وأحزابهم، وطوائفهم، وهي للأسف مصالح تافهة وأهداف لا قيمة لها .
المربد العراقي
ومما أبداه "عبد الحسن" من ملاحظات حول الوضع الثقافي العراقي جاء تحفظه حول ما يشهده مهرجان عراقي ثقافي له علاقة وثيقة بتاريخ العراق وحضارته هو "مهرجان المربد" ، من استضافة شخصيات ليست على قدر التاريخ الطويل من السيرة الشعرية العريقة لهذا المهرجان ، ولا على قدر الثقافة العراقية الذاخرة التي تتذكر سلسلة طويلة من مثقفين كبار أثروا في ثقافة الوطن العربي ومثقفيها الكبار، وهذا ما يجعلنا نأسى كثيرا للمصير الذي آلت إليه الثقافة العراقية في وضعها الحالي ، ومن ثم يطالب الأديب العراقي كل القيادات بأن تراجع نفسها وضميرها فيما قدمته للمثقف العراقي منذ العام 2003 ولحد اليوم ، وبأن تلاحظ ما تقدمه دول ذات جغرافيا صغيرة ومردودات مادية أقل من العراق لمثقفيها ، وكذلك بمراجعة تجارب الدول الأخرى في رعاية ثقافة أوطانها ومثقفيها ، لا لشيء سوى لإنقاذ سمعة ثقافة بلدنا ومثقفيها في خارج العراق وداخله .
تغريد خارج السرب
من جهته ، صرح المؤرخ العراقي الكبير الدكتور "إبراهيم خليل العلاف" ـ الأستاذ بجامعة الموصل ـ للمدى قائلاً : " للأسف الشديد ، انعكست أوضاع العراق السياسية منذ وقوعه تحت الاحتلال الأميركي البغيض في التاسع من نيسان 2003 ، وما أفرزته هذه الأوضاع من شيوع الطائفية السياسية والمذهبية ، والمحاصصة والتوافق على اقتسام ثروات البلد ونهبها . المثقف العراقي بات إما منكفئا على نفسه .. أو مغردا خارج السرب ، أو تاركا البلد أو مندمجا في العملية السياسية والاجتماعية والترويج للطبقة السياسية التي استطاعت أن تمسك بكل مفاصل الحياة تدعمها قوى مسلحة بأشكال وأنواع مختلفة ، وبدعم من بعض دول الجوار والدول الكبرى .. لقد غاب المثقف الحقيقي لأسباب منها اقتصادية مالية ومنها سياسية ومنها ما يتعلق بالخوف من الاعتداء عليه إذا لم يسر وفق الاتجاه الذي تراه الطبقة السياسية المتنفذة " .
المثقف المغترب
ورداً على سؤال : إلى أي حد أنت راض عن موقف المثقف العراقي المغترب من قضايا العراق وحضارته الثقافية والتاريخية ؟ أجاب الدكتور العلاف قائلاً :"المثقف العراقي المغترب، يتمتع بمساحة واسعة من الحرية ، ويستطيع أن يكتب كما يشاء دون خوف من أحد" .
عزلة اجتماعية
أما الفنان والمسرحي العراقي المغترب "راسم منصور" فيرى أن المثقف العراقي ـ إن صحت هذة التسمية ـ مازال معزولاً عن مجتمعه الذي هو منه لأسباب عديدة منها تتعلق بسيكولوجية الفرد العراقي الذي يحتل صفة مثقف ، ومنها لظروف المجتمع الذي ينتمي إليه، وبرأيه أن مكانة المثقف العراقي مازالت متأرجحة في مجتمعه ؛ فهو غير قادر على التأثير إلا بشكل محدود ومن خلال محدودية هذا التأثير يتبين لنا أن مكانته ليست بمستوى أهمية الثقافة في بناء المجتمعات . وبصراحة متناهية يقول منصور : " أنا شخصيا أرى أن المثقف العراقي يسعى لشخصنة الثقافة وجعلها ذاتية أي أن جهده الإبداعي مازال جهدا ذاتيا فرديا غير مؤثر ، وحتى المثقف المغترب لم يكن قادرا كذلك على تجاوز مأزقه الشخصي ولم يكن بوسعه أن يترك تأثيرا كبيرا إلا ماندر" .
ثقافة متميزة
ومن منظور مختلف ، ترى الأديبة والفنانة التشكيلية المغربية "زهرة زيراوي" أن المثقفين العراقيين يشكلون فئة أو شريحة اجتماعية ذات سمات بنائية خاصة ومكانة اجتماعية متميزة ليس فقط في الوطن العربي بل ربما في العالم ، وأن هذا يتمثل في ما يحملونه من حمولة فكر ثقافي عظيم يتجلى في كتابات حسني أبو المعالي و فيصل عبد الحسن وعلي القاسمي ونزيهة الرشيد و أفانين كبّة و محسن الرملي و عبد الهادي سعدون ، وغيرهم من قامات عربية متميزة زهدت في المناصب و الكراسي وأضافت أعمالهم الفنية و الثقافية إلى الحمولة الفكرية عامة ما يشكل مرجعيات في كل أنساق الفكر ، وهو ما ينعكس تأثيره على المجتمع وديناميات الحياة السياسية والاجتماعية عامة.. تقول زيراوي : "إننا نمسك أنفاسنا عبر صفحات أعمالهم الأدبية الروائية منها و القصصية أو الأبحاث في اللغة العربية و في التاريخ أيضا ، بل حتى في عوالم الفرشاة الصباغية حيث يطالعنا تاريخ عظيم مد الجسر فيه بين العرب و الغرب ، مع كل ما يحدث اليوم من تمزقات للوطن العربي ، و من مرارة المرحلة فرغم التشرد والحروب والطائفية تعرف المرحلة صعود قوى فكرية و إنسانية . إننا نستعيد عبر أعمالهم رسالة قوية تدفع بنا للبحث عن ما يجعل الثقافة هي السلام و هي السيد ، ضدا لما يطالعنا من توزعات وحروب في أطراف العالم العربي" .