اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > أحمد علي إبراهيم: المستورد هو المسؤول عن تحديد سعر الدواء وفق اقتصاد السوق

أحمد علي إبراهيم: المستورد هو المسؤول عن تحديد سعر الدواء وفق اقتصاد السوق

نشر في: 23 ديسمبر, 2015: 09:01 م

بعد أن كان استيرادها محصوراً بيد الدولة
 
لم تبتعد الادوية وقطاعها المهم والمرتبط بحياة الناس بشتى طبقاتهم وشرائحهم عن الفوضى التي ضربت البلد والاستيراد العشوائي واغراق السوق بشتى انواع الادوية التي يصنع البعض منها في داخل البلد اذ بالامكان دع

بعد أن كان استيرادها محصوراً بيد الدولة

 

لم تبتعد الادوية وقطاعها المهم والمرتبط بحياة الناس بشتى طبقاتهم وشرائحهم عن الفوضى التي ضربت البلد والاستيراد العشوائي واغراق السوق بشتى انواع الادوية التي يصنع البعض منها في داخل البلد اذ بالامكان دعم ماهو محلي. مع الاكتفاء بعدة ماركات من ادوية اخرى بدل هذه الفوضى التي ضيعت على المستهلك نوعية الدواء الجيد من عدمه. حول كل ذلك وتفاصيل اخرى عن الادوية كان لنا هذا الحوار مع نقيب الصيادلة السابق الصيدلي احمد علي ابراهيم.

 

* ما مستوى العمل الذي يقوم به المختبر المركزي في مجال فحص الادوية المستوردة وفحص الادوية المصنعة محليأ؟
- المركز الوطني للرقابة والبحوث الدوائية درجة عالية من الاهمية ويقوم بدور كبير في ضوء الامكانيات المتاحة له وهو ايضآ صمام امان للادوية الداخلة للعراق بطريقة قانونية واصولية. لكن هذا الوصف وحده لايكفي لضغط الهائل بسبب تدفق الادوية بكميات كبيرة جدآ قد يؤدي الى حصول تأخير في اصدار النتائج ما يدفع بأتجاه تجاوز إجراءات الفحص. واذا علمنا ان نسبة غير قليلة من الادوية تدخل البلد بشكل غير مشروع ما يجعل الجهات الموردة لا تلتزم بالذهاب الى المختبر للناي بالنفس عن المحاسبة القانونية. وتبذل وزارة الصحة جهودآ كبيرة للحد من تدفق هذه الادوية بشكل غير قانوني الا ان هذه الجهود تصطدم بعقبات متعددة يأتي في مقدمتها المنافذ الحدودية غير المنضبطة.
مكمن الخطورة ان سوق الادوية المغشوشة أصبح واسعأ في العالم وان اسواق دول الجوار الاقليمي يمكنها ان تصبح معبرآ لدخول ادوية من هذا النوع وقد حصلت حالات بالفعل مسجلة في الاردن. ان تعليمات الفحص المختبري تسري على المنتج المحلي وهناك إشكالية لم تجد حلآ نظرآ لآتباع طريقة واحدة في اسلوب الرقابة لا يلائم نشاط المنتجيين المحليين. وفي كل الاحوال هناك ضرورة ملحة لآنشاء مراكز متعددة للرقابة تخفف من العبء الذي يتحمله مركز واحد يتعرض الى كل هذا الضغط.
* تسجيل الادوية في وزارة الصحة وكذلك تسجيل الشركات هل هناك معوقات يضعها الفساد الاداري على مسار هذه العملية مما قد يضر بالمستهلك من حيث تمرير أدوية رديئة أو التسبب برفع تكاليف التسجيل وبالتالي رفع سعر المادة الدوائية المعنية؟
- تسعى الدول وخاصة المتطورة منها الى تقليص عدد الادوية المتداولة على ان تكون كافية للمعالجة الطبية وقد مر العراق بعدة مراحل شهدت تغييرات مهمة في سياسته الدوائية، ففي منتصف الستينيات والسبعينيات حيت لم يكن السوق الدوائي خاضعآ الى توصيفات علمية كان هنالك اكثر من سبعة الاف مستحضر متداول وبعد تشكيل لجنة انتقاء الادوية جرى تقليصها ليصبح عدد الادوية المقرة في العراق لا يتجاوز الف وخمسمائة نوع في منتصف الثمانينات وعد ذلك نجاحآ كبيرآ. أذن الكوابح التي تضعها الدول مطلوبة ومهمة ولكن يجب أن تتماشى مع الضوابط العلمية.
اليوم يغرق السوق الدوائية من جديد ولعل من اسباب ذلك ان شركات عديدة ومستحضرات كثيرة سجلت في اوقات الازمات في التسعينات مثلا في ضوء اجراءات الحصار وإتسعت اعداد الشركات المسجلة والانواع المتداولة بشكل كبير فيما بعد.
وفي كل الاحوال فأن مايعول عليه هو تسجيل المستحضرات الصيدلانية ونحن نعتقد ان قسم التسجيل في وزارة الصحة يبذل جهودآ كبيرة للسيطرة على هذا الموضوع وجعله اكثر توافقآ مع القرارات العلمية او المصادر العلمية التي تعتمد في العراق. الدول المختلفة تعتمد التسجيل وتحوله الى فلتر يتم بموجبه حجب المستحضرات قليلة الاهمية او حجبها لحماية منتجات محلية، للاسف في العراق لا يجري ذلك وفق هذا المبدأ فهناك مئات الانواع من الادوية البسيطة تم تسجيلها وهي منافسة للمنتجات المحلية وهناك أنواع كثيرة تستورد الان من الادوية التي لا يمكن اعتبارها مهمة من الناحية العلاجية.
في الجانب الاخر فأن التسجيل يستغرق في بعض البلدان سنوات ولا يكون ذلك لآسباب علمية كما يتصور البعض وإنما ارتباطآ بسياسة دوائية معتمدة لهذه البلدان.
للاسف الشديد كانت هناك مبادرة أقدمت عليها الوزارة في عهد الوزير الدكتور (علاء العلوان) حيث قام فريق عمل من خبراء الادوية بوضع مسودة لسياسة دوائية عراقية تمت المصادقة عليها وقد قيمتها في حينه منظمة الصحة العالمية بأعتبارها اهم مدونة صدرت في المنطقة. الا ان الادارات المتعاقبة أهملتها ووضعت هذه المدونة على الرف منذ عشر سنوات. وكان يمكن لو طبقت في حينه وجرى عليها لاحقآ تحديثآ وتطويرآ وتشكلت بموجبها هيئة عليا للدواء تضع المعايير والتعليمات والاسس للتعامل مع الدواء لكان وضعنا الان آفضل بكثير مما هو قائم.
اليوم ولآسباب تتعلق بالتأخير والبيروقراطية نسمع من الشركات كثيرآ من الاتهامات تحت عناوين الفساد و توجه هنا وهناك و لا اظن ان كل ما يقال صحيحآ مالم يتحقق من ذلك وفي كل الاحوال كلما كانت هناك شفافية ووضوح في العمل وكلما كان هناك تجاوز للروتين والبيروقراطية التي اصبحت ضاربة في مؤسسات الدولة كلما اصبحت مؤسساتنا في وضع افضل واصبح الرد على الاتهامات والتشكيك حاسمآ.
آما تكاليف التسجيل فليست هي العامل الحاسم في ارتفاع اسعار الادوية. ومن المهم ان التسجيل ينبغي ان يهتم بموضوع السعر التسجيلي وان يجعله احد المؤشرات المهمة في قبول او رفض تسجيل الادوية. إلسعر التسجيلي يعني ان لايستورد اي دواء باعلى من سعره المسجل في وزارة الصحة وفي ذلك حديث طويل مرتبط بأسعار بيع الادوية في السوق.
* ماهي آلية (كانت قائمة في السابق) لاسترجاع واتلاف الادوية والمواد المنتهية الصلاحية بطريقة تجنب الاضرار بالبيئة؟
- في السابق عندما كانت الدولة هي الجهة الوحيدة المستوردة للدواء للقطاعين العام والخاص كانت هناك تعليممات واضحة في كيفية أعادة الادوية التي ينتهي مفعولها وكانت تعوض من قبل الشركات الموردة. وهذه قضية متبعة في جميع انحاء العالم. طبعآ من الطبيعي ان تحصل الشركات على معلومات عن آدويتها في السوق العراقي لكي تتابع من جانبها ايضآ ما يساعد على عدم تعرضها للتلف لآسباب مختلفة ومنها تأريخ نفاد مفعولها.
طبعآ يعقب ذلك إجراءات للآتلاف غالبآ ما تقوم به جهات متخصصة في الوزارة او مؤسسة الادوية وتتلف في اماكن طمر النفايات. واعتقد ان الوزارة مستمرة في ذات النهج حاليآ فيما يتعلق بأدوية المؤسسات الصحية.
أما القطاع الخاص فهناك كميات كبيرة من الادوية تتعرض للتلف بسبب أنتهاء مفعولها ويتحملها الصيدلي في صيدليته وفي الحقيقة فأن ذلك يمثل هدرآ في اموال الدولة لا يجوز قبوله ويجب أن تلزم الشركات العاملة في العراق بمعايير أعادة الادوية المنتهية الصلاحية وتعويضها.
أما الاجراءات المتخذة فأن الصيدليات تقوم بأتلافها بطريقة لا تسمح بأعادة استخدامها وهي تعليمات تعرفها كل الصيدليات. ولا آظن ان اتلاف الادوية المنتهية المفعول في الصيدليات او البيوت لها تاثير واضح على البيئة الا ان الاخطار تكمن في النفايات الطبية من المؤسسات الصحية الحكومية والاهلية وينبغي الاهتمام بها مع علمنا ان لوزارة الصحة في بعض مؤسساتها محارق متخصصة لهذا الغرض.
* هل هناك آلية لوضع الاسعار بالنسبة للادوية والخدمات الطبية وهل هناك رقابة حقيقية بهذا الصدد وماهي امكانيات تحديد الاسعار من الناحية الواقعية بعد أختفاء دور الدولة من سوق استيراد الادوية وتوزيعها على القطاع الخاص (مذاخر وصيدليات أهلية)؟
- أولآ لا توجد بين ايدينا تعليمات لتسعير الادوية بعد ان تخلت الدولة منذ التسعينات عن هذه المهمة وبعد ان اصبحت مسؤولية توفير الادوية للقطاع الخاص ليست من مهمات الدولة.
في الانظمة التي تتبع أقتصاد السوق فأن تسعير الادوية من قبل الدولة يصبح متعارضآ مع المفاهيم الاقتصادية إلا ان وضع السعر على الادوية من قبل البائع يجب ان يتم وهي قضية ملزمة. في اقتصاد السوق تعطى الاولوية للمنافسة الحرة، اما من يحدد اسعار البيع فهو المستورد وليس اي طرف اخر.
وفي هذه الحالة فأن الدولة تتدخل بألزام المستورد بالعمل وفق شروط و آليات واضحة ومنها مثلآ:
- تسعير الادوية والحفاظ على سعر موحد سائد في جميع انحاء العراق.
- ألزام المستورد بعدم تغيير السعر بعد تثبيته لدى وزارة الصحة لفترات محدودة. وإن لايجري التغيير الا بعد الاتفاق مع الوزارة وفي ضوء المتغيرات ومنها تغيير سعر صرف العملة، أو حصول المورد على سعر تسجيلي جديد.
أن الشركات في الحقيقة اذا ألزمت بوضع السعر فأنها لا تستطيع التمادي برفع  الاسعار للاسباب التالية:
1- المنافسة مع المستحضرات المشابهة.
2- الاجراءات الضريبية الفعالة تحد من ارتفاع السعر لآن نسبة الربح ستكون واضحة من خلال الفرق بين سعر التسجيل واسعار البيع (هذا اذا كانت هناك ضريبة فعالة).
3- أن التمادي برفع السعر من قبل المستورد سيواجه بالقدرة الشرائية للمواطن وهي محدود، بألاضافة الى الدور الذي تلعبه منظمات حماية المستهلك (في العراق صدر القانون ولم ينفذ).
أن الاحتكار وحده يسمح بزيادات كبيرة في الاسعار لكنه ليس عاملا حاسمآ فدخل المواطن هو العامل الحاسم في الشراء، أضافة الى القوانين النافذة التي تمنع الاحتكار.
وقد تكون هناك تواطئات بين الشركات وبعض الاطباء والصيادلة لكنها تظل محدودة.
في الواقع ان عملية التسعير تواجه عقبات عديدة آولها أن اسعار التسجيل غير مكتملة. كما ان عدد غير قليل من الادوية مستورد من مناشيء متعددة لنفس النوع وفي ذلك تفاوت في الاسعار اضافة الى ان عدد المستحضرات التي توررد من اسواق الجوار تكون اسعارها  عالية لانها تكون قد خضعت الى رسوم التعرفة الكمركية وارباح المستودعات والصيدليات او المستوردين في بلدان الجوار وفي ذلك خسارة كبيرة للعراق ايضآ.
وفي الاطار العام فأن اسعار الادوية في العراق لا تزال اقل من اسعار مثيلاتها في بلدان الجوار لكن المشكلة هي ان المواطن لم يتعود على هذه الاسعار المرتفعة والتي قد لا تناسب دخله ويجري مقارنة مع وضع مختلف قبل ثلاثة عقود.
كما أن حقيقة اخرى يجب ان نعرفها فأن الاسعار في تصاعد مستمر في كل العالم ولم يعد المواطن في اي مكان قادرآ على تحمل أثمانها المرتفعة، ان انظمة صحية متقدمة ومظلة للضمان الصحي هي الكفيلة في حل المشكلة والحد من تذمر المواطنين.
* المكاتب العلمية تراسل شركات الادوية او المكاتب الاقليمية حسبما علمت عن طرق الانترنيت هل يجوز ذلك؟ وكيف يتم التحقق من صلاحية الدواء ومنشأه الاصلي؟
- في عام 1979 قامت الدولة بغلق المكاتب الاعلامية لشركات الادوية بعنوان ان هذه المكاتب يمكن ان تصبح اوكارآ للتجسس ويعرض المخالف نفسه لعقوبة الاعدام.
وكان لهذا الاجراء البليد اثره السيء على البلد فقد أنتقلت المكاتب الى دول الجوار ولم تعد ثانية الى العراق حتى بعد أعادة فتح المكاتب. فقد استوطنت في هذه البلدان واصبحت ذات طابع اقليمي واصبح اصحاب الشأن من العراقيين موظفين صغار لمتابعة اعمال الشركات في العراق.
نحن الان نتحمل اخطاء الدولة ونتحمل كل الممارسات الخاطئة التي نشأت عن سوء تقدير ورؤية قاصرة. ان التمثيل الحقيقي للشركات في العراق يلزمها بأحترام قواعد القانون وتعليمات الوزارة ويجنبنا ايضآ التداخل المؤذي للمناشيء المتعددة والتي تكون منفذآ للتجاوزات. لكن ورغم كل المعوقات فهناك جهود كبيرة تبذلها وزارة الصحة ونقابة الصيادلة للحد من التجاوزات اما وسائل الاتصال بين المكاتب وشركات الادوية في العالم او مع الجهات المجهزة ليس فيها ما قد يسبب آضرارآ وهي طبيعية.
* ما دور الوزارة (الصحة) في نشر الوعي والثقافة الصحية وخاصة فيما يتعلق بأستخدام الادوية ؟ وهل عملها في هذا المجال يرتقي الى الحاجة الفعلية؟
- ان عملية نشر الوعي الصحي والثقافة الصجية مهمة صعبة ولا تقتصر على وزارة الصحة وانما في تقديري هي من مسؤولية جهات متعددة منها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية ووسائل الاعلام المختلفة. لكن المساحة المتاحة لكل هذه الجهات تظل صغيرة فيما يتعلق بأستخدام الادوية.
ويلعب الصيادلة الدور الاول في التوجيه والارشاد في ضوء ان الصيدليات منتشرة بشكل واسع في العاصمة بغداد وفي كل المدن العراقية وان هذا الدور الارشادي الذي يقوم به الصيادلة يمثل جزءآ اصيلآ من الالتزام المهني الذي يقومون به.
وفي كل الاحوال فأن الوعي الصحي هو جزء من تراتبية الوعي الاجتماعي المتغير والمتصاعد والذي نطمح الى أن يرتفع بمستوياته بأستمرار.
* كيف ترى تطوير الصناعة الدوائية العراقية سواء في القطاع العام او الخاص؟
- العراق يعتبر من اوائل البلدان التي دخلت في هذا المجال الحيوي الا ان السياسات التي اتبعتها الدولة في مراحل مختلفة عرقلت تطور هذه الصناعة لا بل ان الدولة اصبحت هي مازق الصناعة الدوائية.
ولنضرب مثلآ على ذلك فأن الدولة منعت القطاع الخاص في فترات سابقة من الدخول في شراكات أجنبية او في تصنيع مستحضرات قد تكون منافسة لاخرى كانت تنتج من قبل مصنع الحكومة الوحيد (سامراء).
كما ان الدولة لاسباب عديدة لا مجال لذكرها تحولت الى جهاز بيروقراطي يعيق كل تقدم إضافة الى ان العناصر القيادية التي تولت إدارة المؤسسات غالبآ ما تكون حزبية جاهلة او عاجزة او غير كفوءة وكمثل على ذلك فأن مصنع مثل (أكاي) الذي تحول من مصنع تخليقي الى مصنع تشكيلي واستمر العمل به سبعة عشر عامآ في حين كان هناك مصنعآ مشابهآ في الامارات (جلفار) استطاع أن ينتج بعد ثلاث سنوات فقط ومن الغريب ايضآ فأن الخبراء العراقيين هم من ساهم في التخطيط والادارة لمشروع جلفار هذا. واليوم أصبح من اكبر المصانع العربية,ولدينا من الامثلة الكثير.
منذ التسعينيات بدأت الخطوات الجدية للقطاع الخاص فنشأت عدة مصانع لكنها واجهت ظروفآ صعبة في مقدمتها التضخم الذي أطاح برؤوس الاموال المخصصة للمشاريع هذه التي واجهت في نفس الوقت الاهمال وسوء التعامل والترهل الحكومي والفساد فتعطلت قدرات هذه المصانع وبقيت تراوح في اماكنها غير قادرة على تطوير نفسها ومواجهة النشاط الكبير لمصانع في دول الجوار اتيح لها كل الامكانيات والدعم من قبل حكوماتها ولتتسيد النشاط التجاري في السوق العراقية ضاغطة على المنتج المحلي الذي يعاني من قصور وعجز كبيرين.
الا ان المصانع الوطنية ورغم هذه الظروف القاهرة أستمرت في التطور البطيء والتغلب على ما يواجهها من مصاعب لكنها ظلت ولا تزال هي الاضعف بالمقارنة مع مثيلاتها في دول الجوار كافة.
اليوم نشعر جميعآ بأن الاهمال الذي واجهته الصناعة الوطنية من قبل الدولة قد أضاعت فرصآ كبيرة ونحن نواجه شحة الموارد واصبح لزامآ على الدولة أن تتخذ سلسلة من الاجراءات والقرارات لدعم القطاع الخاص خارج السياقات النمطية البيروقراطية التي تعودنا عليها. وأن تعيد الدولة النظر في كل التعليمات المعوقة للنهوض فمن غير المنطقي أن يظل شعبنا مستهلكآ غير منتج.
أن مصانع الادوية في القطاع الخاص لم تلق لغاية الوقت الحاضر اي دعم أو عون من الدولة وهي تشق طريقها بصعوبة بالغة بسبب المنافسة غير العادلة مع المنتجات العربية والاجنبية وبسبب سياسات الاغراق التي تمارسها بعض الشركات العربية في السوق العراقية. وحيث أن الدولة شعرت اخيرآ بأهمية أتخاذ اجراءات فعالة للنهوض بواقع القطاع الخاص فقد اصدر رئيس الوزراء في آطارالاصلاحات الاقتصادية قرارات مهمة نأمل في أن تأخذ طريقها للتنفيذ وان لايجري تفريغها من محتواها حسبما تعودنا في حالات سابقة بسبب أدارات غارقة في البيروقراطية وعاجزة عن الانتقال بالبلد الى مصاف دول الجوار على الاقل.
أما مصانع الدولة فالحديث عنها طويل فهي بين متوقفة (مصنع الموصل) او تعاني من اسباب ومعوقات كثيرة(مصنع سامراء).
ان مصانع الادوية في القطاع الخاص اليوم تشغل الاف العوائل وتوسع من مساحة توظيف الوسائل التكنولوجية وقد ارتقت بالمنتجات لتصبح منافسة لمثيلاتها في المنطقة وحاليآ فأن حجم الانتاج يتجاوز مائتي مليون دولار مع توفر قدرات لمضاعفة الانتاج فورآ. وقد أكدنا في اكثر من مرة بأن هذه الصناعة بأمكانها ان تغطي نسبة عالية من الاحتياجات فيما لو انها حصلت على دعم الدولة او حظيت بأهتمامها.
* هل تقوم نقابة الصيادلة بدورها في الحفاظ على مهنة الصيدلة وحمايتها من تدني المستوى العلمي والمهني أم أنها تواجه معوقات في عملها لآسباب يفرضها الوضع العام في البلاد؟
- تتفرد نقابة الصيادلة بكونها تمتلك الصلاحيات الكاملة سواء لتنظيم المهنة او في الحفاظ على قيمها وما يرتبط بالسلوك المهني بين الأعضاء او مع الجمهور. وهي تقوم بمهمات الرقابة والمتابعة والمحاسبة لكل ما يمثل تجاوزاً على القانون او على الحق العام للمواطنين للحصول على ادوية أمنه وفعاله. كما ان النقابة لا تهمل اي شكوى تردها من اي جهة وتحاسب بشده المخالفين او المسيئين. غير ان هذه الإجراءات تشمل الصيادله والصيدليات المجازه بموجب القانون.
للاسف ان الأوضاع العامة بما يشوبها من تردي الحالة الامنية وضعف المحاسبة وتدني سقف القيم الاجتماعية قد تركت اثرها وملامحها على هذه المهنة فأنتجت صور مشوهه عن ممارسات غير قانونية لشرائح اجتماعية منحت نفسها حق ممارسة مهن اختصاصية خارج المعايير الاخلاقيه والقانونية. وتمثل هذه التجاوزات ليس خرقاً للقانون فقط وانما تعرض حياة المواطنين لمخاطر كبيرة. لكن هذه التجاوزات ليست من اخنصاص نقابة الصيادلة وانما من اختصاص وزارة الصحة ووزارة الداخلية والمؤسسات القضائية.
ان حجم المهمات التي تواجه النقابة كبيره جداً ومتعدده في اشكالها وما لم تتظافر جهود جميع الأطراف مع جهود النقابة فان التجاوزات باشكالها المتعددة ستستمر ويستمر معها ايضاً الخلط في فهم مسؤولية كل طرف فيما آلت اليه الأمور.
* كيف ترى المستوى العلمي لكليات الصيدلة في العراق خاصة وانها تكاثرت بشكل يقوق الحاجة الفعلية ويفوق ايضآ القدرة على تخريج هذا الكم من الصيادلة ولا باس من ذكر عدد الطلبة الدارسين في كليات الصيدلة وعدد تلك الكليات؟
- انعدام التخطيط الذي يقوم على دراسة حاجة البلد من الاختصاصات العلمية في ضوء متطلبات سوق العمل وآفاق التطور هو السمة البارزة في حياتنا. فرغم الاعتراضات المتعددة التي قدمتها نقابة الصيادلة أستمرت وزارة التعليم العالي في فتح كليات جديدة للصيدلة فهناك حاليآ بحدود 20 كلية تفتقر أغلبها الى المعايير المطلوبة لتدريس علوم الصيدلة.
عدد غير قليل من هذه الكليات تستعين بأختصاصات هامشية لتدريس مقررات ينبغي أن تدرس من قبل أختصاصيين في مجال الصيدلة. ذلك يعني أن المخرجات لن تكون بالمستوى المطلوب وقد شعرت الوزارة بهذه الاشكالية فذهبت الى حلول أخرى كالامتحانات الموحدة ان الامتحان وحده ليس كافيآ ولا بديل ناجع عن التدريس العلمي الرصين.
في الوقت الحاضر أصبح عدد الصيادلة المتخرجين يفوق الحاجة الفعلية لهذا الاختصاص وهناك سنويآ يجري تخريج 1500-2000 صيدلي واستمرار هذه الاعداد بالتخرج سيسبب مشاكل إجتماعية لآعداد غير قليلة لا تجد فرصآ للعمل في الداخل وستدفع بهم الى الهجرة بحثآ عن مستقبل آمن. أن مهن كالطب وطب الاسنان والصيدلة والتمريض ينبغي أن تخضع جميعها الى رؤية شاملة متكاملة في ضوء حاجة المجتمع.
وفي ضوء انعدام التخطيط هذا لنا أن ننتظر سنوات عديدة أخرى لنكتشف الخلل الناتج عن فوضى التعليم والممارسة في الوقت الحاضر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. فرج السعيد

    فقط اود توضيح نقطة مهمة غابت عن المقال ... ان جميع الادوية المستورده تاتي من وكلاء اقليميين أغلبها لبناني ... الادوية التي تعرض للترخيص هي مطابقة للمواصفات المطلوبة ومن ان يتم اجازتها حتى بزج في السوق ادوية ليس ضمن المواصفات او يدخل المزور او التقليد الى

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram