من حسنات النسخة الديمقراطية العراقية ، أنها ألغت الخطوط الحمر أمام المنجمين فمنحتهم حق التعبير عن نبوءاتهم وتوقعاتهم لأحداث العام الجديد بكل حرية وشفافية ، فحين يتوقع احد المنجمين اصحاب النظرة الاستشرافية للمستقبل بان يكون نائب بارز في ائتلاف دولة القانون رئيساً لمجلس الوزراء في الحكومة المقبلة ، يصل المنجم الى نصف الحقيقة ، على ان يتولى الجمهور مراجعة أعضاء الائتلاف بدءاً من رئيسه نوري المالكي الى عالية نصيف ومحمود الحسن وانتهاءً بكاظم الصيادي وحسن السنيد ، من بين هؤلاء سيكون احدهم حاملا شرف التصدي للمسؤولية لاستكمال المسيرة وسط تأييد جماهيري واسع .
شعوب الانظمة الشمولية في المنطقة العربية تعلق آمالها على المنجمين ، لعل احدهم يزف لهم بشرى تحقيق أمنياتهم المؤجلة برفع مستوى دخل الفرد ، وإصدار عفو عام عن المساجين ، وحظر بث نشاطات المسؤولين في نشرات الاخبار عبر شاشة الفضائية الرسمية. المنجمون العرب يحرصون على الابتعاد عن طرح توقعاتهم السياسية ، لأنها تقع ضمن الخطوط الحمر ، لذلك تقتصر التوقعات على الجانب الشخصي من حياة المشاهير ، المطربة فلانة ستزف الى مدير أعمالها في الشهر الثاني من العام الجديد لتسجل الزواج السادس خلال مشوارها الفني ، والممثل الوسيم سيطلق زوجته للارتباط بسيدة أعمال بعمر والدته مقابل تسجيل نصف ثروتها باسمه!
التوقعات من هذا النوع هي السائدة والمطلوبة ، لا تُثير غضب واستياء الأجهزة الأمنية ، تضمن حياة المنجم ، اما اذا عبر الخطوط الحمر ومسّت بشكل غير مباشر الحزب الحاكم او صاحب الجلالة او السيادة فسيرى المنجم نجوم الظهر، قد تصل العقوبة الى أقربائه من الدرجة الرابعة .
في الصراعات الإقليمية اعتمد بعض أنظمة المنطقة المنجمين للنيل من الخصوم ، في اطار توجيه انظار الرأي العام الى مساوىء دولة معينة ، والعكس صحيح ، تكون الجرائد والمجلات الساحة المفضلة لتأجيج الصراع عن بُعد على الورق ، بعناوين تحتل الغلاف الاول من المطبوع . في سنوات اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية تجسّد هذا التوجه ، وبعد غزو الكويت حشدت وسائل إعلام خليجية المنجمين لخدمة أهدافها سرعان ما تحققت بفضل ادارة بوش الابن.
توقعات المنجمين السياسية في جميع دول العالم ليست بريئة إلا باستثناءات قليلة جدا ، تقف وراءها في بعض الأحيان جهات مخابراتية ،ترغب في قياس ردود الافعال على احداث مهمة تعتقد ان طرحها عبر التوقعات او التسريبات يمنحها امكانية التنفيذ او التأجيل ، اما باقي التوقعات بالنسبة للأجهزة المخابراتية فتندرج ضمن الخزعبلات يقولها منجمون كذابون ويصدقها المغفلون! في ضوء ذلك برزت الحاجة الى خدمات المنجمين ، لانهم على استعداد كامل لطرح توقعاتهم حسب طلب الزبائن ، من الدول والأفراد ، مَن يرغب من العراقيين في ان يكون رئيسا للوزراء ، عليه الاستعانة بأحد المنجمين فهو لا يقل شأناً عن آخرين قفزوا من الهامش الى المتن بدعم (بلدوزرات خارجية)!
منجمون تحـت الطلـب
[post-views]
نشر في: 23 ديسمبر, 2015: 09:01 م