وفدان حكوميان غادرا بغداد ولكن باتجاهين مختلفين، الأول الى أقصى الشرق حيث الصين، والثاني الى الجنوب حيث الجارة الكويت.
لم تكن المرة الأولى التي تسافر فيها وفودنا بأوقات متزامنة لتطرق أبواب العواصم، فنحن بلد يخرج من عزلة ليدخل بأخرى أشد وأقسى. لكنها المرة الأولى بكل تأكيد التي ينقسم فيها جهدنا الدبلوماسي في وقت حساس ومثير للانتباه، على نحو يزعزع الثقة بساعة حكومة العبادي التي يبدو انها فقدت من يضبط عقاربها على توقيت مصالحنا المبددة والمهددة.
بكل تأكيد هناك حاجة ملحة لكي ينفتح العراق على الخارج، ويقوم بشرح طبيعة التحديات التي تواجهه كدولة وشعب، لكل اصدقائه والمتعاطفين مع قضاياه، وتشتد هذه الحاجة مع القوى الكبرى في العالم كالصين وروسيا فضلا عن اميركا واوربا.
ولا أحد يناقش بأهمية زيارة رئيس حكومتنا الى بكين وضرورتها، لكن التوقيت أثار ويثير الكثير من علامات الاستفهام والتأمل.
أحد هذه التساؤلات تدور حول تزامن زيارة العبادي الى الصين، وزيارة وزير خارجيته ابراهيم الجعفري الى الكويت. كيف يستغني رئيس الوزراء عن اصطحاب عميد دبلوماسيته في زيارته لدولة عظمى كالصين؟ ولماذا يتغيب الجعفري عن مرافقة العبادي في أغلب زياراته الخارجية؟ هل يضبط الاخير ساعته على توقيت يغاير ساعة رئيسه؟ وهل يمتلك الرجلان أجندات مختلفة، ام أن المشكلة مجرد فارق بالتوقيت، وربما بالمزاج!
أيضا من جملة الاسئلة التي تُثار هذه الايام، هي عن تزاحم توقيت زيارة القائد العام لقواتنا المسلحة الى "بلاد التنين"، مع بدء ساعة الصفر لتحرير الرمادي، الذي طال لأسباب يجلها الجميع.
ولم يكتف "القائد العام" بترك جنوده في ساحة القتال، لا بل إصطحب معه وزير دفاعه ايضا، مقتصرا على زيارة خاطفة قام بها لقيادة العمليات المشتركة، والخروج ببيان يؤكد اطمئنان "القائد" على سير واستعدادات المعركة.
في الحقيقة لا يمكن أبداً القبول بأيّ تبرير لغياب أبرز وأرفع قائدين عسكريين عن معركة الرمادي، فنحن لم نصل بعدُ الى دولة المؤسسات التي تؤدي وظائفها بكل انسيابية بمعزل عن الرئيس والمدير والقائد. فالجيش بقائده والدولة برئيسها، والدائرة بمديرها، هكذا سارت دولتنا، وهكذا فهمنا عملها دائما.
ويتضاعف الارتياب والاستغراب، اذا ما عرفنا ان خطة تحرير الرمادي صممت لكي تعيد هيبة المؤسسة العسكرية العراقية تحديدا، بعد إقصاء الحشد الشعبي، وفشل جهود إشراك مقاتلي العشائر بالشكل المرسوم لهم.
فكيف يقاتل جيش يشاهد قائده العام ووزيره في سفرة خارجية؟ وكيف تعاد هيبة عسكرٍ وهو لا يتلمس حضور قادته الكبار الى جانبه في الخطوط الخلفية كأضعف الايمان. اذ عودونا القادة والزعماء على حضورهم بعد تحقيق الانتصار، والاكتفاء بحفلة صور وجولة كاميرات.
بالتأكيد ان زيارة العبادي للصين، في مثل ظروف العراق المالية والسياسية والأمنية، مهمة ومطلوبة جدا. لكن ذلك لا يقلل من أهمية وخطورة تحرير الرمادي. فاستعادة هذه المدينة المعقدة دينيا وسياسيا ستشكل اختبارا حقيقيا لحقبة ما بعد داعش ليس في الانبار وحدها، بل في المنطقة كلها.
من هنا، لا يمكن بالمرة الحديث عن عنصر الإرتجال في زيارة الصين، فالدبلوماسية بنت الدقة والبروتوكولات الصارمة. كما لايمكن تصور إطلاق عملية تحرير الرمادي، من دون مواعيد استغرقت، بالفعل، اشهرا من التحضيرات اللوجستية والسياسية.
هذا التداخل يكشف حاجة حكومتنا لاعادة ضبط ساعتها وتوحيدها كدولة في سباق مع الزمن المتسارع، فهو كالسيف ان لم تقطعه قطعك.
اضبطوا ساعة الحكومة
[post-views]
نشر في: 23 ديسمبر, 2015: 09:01 م