رحل عن عالمنا الكاتب والمفكر خضير ميري بعد صراع مرير مع المرض ، وعرف ميري باهتمامه بالفلسفة والدراسات الفكرية ، وقد صدر له العديد من المؤلفات في هذا المجال كما كتب الرواية والمسرحية ، وقد عاني ايام النظام السابق ظروفا صعبة حيث تم احتجازه في مست
رحل عن عالمنا الكاتب والمفكر خضير ميري بعد صراع مرير مع المرض ، وعرف ميري باهتمامه بالفلسفة والدراسات الفكرية ، وقد صدر له العديد من المؤلفات في هذا المجال كما كتب الرواية والمسرحية ، وقد عاني ايام النظام السابق ظروفا صعبة حيث تم احتجازه في مستشفى للامراض العقلية وهي الحقبة التي رواها في كتابه ايام العسل والجنون .
وقد صدم الوسط الثقافي والادبي بهذا الرحيل حيث ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات على هذا الخبر .. فقد كتب الفنان التشكيلي زياد جاسم : وداعا ياصديقي الفيلسوف " خضير ميري".. مرارة وألم وشعور بالغ بالفقد.. وارفق ماكتبه بلوحة بورتريه للراحل انجزها بريشته اكراما لروحه .
وقال الشاعر مازن المعموري: ما سر هذا الحزن المنفرط من ملامحك .. ما سر عينيك وهما تبتعدان .. ما سر نظارتيك وهما تمسحان الافق .. ما سر الاغطية وهي تعبث بهطولها عليك.. ماسر غماماتك المعلقة على الحائط.. ما سر اكاذيبك التي توقفت عن الضحك.. فكر جيدا قبل أن تنام الى الابد.
اما الناقد احمد فاضل فقال: الجنون لا يصنع كل هذا التفرد والإبداع اللذين تميز بهما ميري وهو ليس الوحيد الذي عرف من خلاله ، فقد سبقه بقرون الرسام الهولندي الانطباعي فنسنت فان كوخ حينما أشاروا عليه بالجنون وقت أن قطع جزءا من أذنه اليمنى وصارت هذه اللازمة إحدى أشهر ما عرف به حتى انتحاره عام 1890 حينما أطلق على نفسه النار بعد أن ترك لنا أعمالا فنية لا تقدر بثمن ، والسؤال الذي شغل ويشغل كل من قرأ حياة كوخ وشاهد أعماله هو: هل بمقدور المجنون تقديم كل هذه الأعمال الخالدة بمهارة الصانع العبقري حتى ولو كان مريضا نفسيا في فترة من حياته ؟
أشك في كل ما روي عن كوخ وعن ميري فأعمالهما لا تتيحان لي أن أصدق بمقولة جنونهما وقد تأتي الأيام بما لا يدع للشك الدليل على ذلك حينها سيكون هو الجواب الذي نبحث عنه .
الشاعر صلاح حسن كتب يقول : كان خضير ميري يحب هذه الشذرة وكتب عنها بعد ذلك مقدمة طويلة عن مختاراتي الشعرية التي صدرت في القاهرة قبل خمس سنوات : انا مجنون لسبب وانت عاقل بلا سبب
الروائي شوقي كريم استذكر صديقه الراحل بكلمات : اليوم السبعيني الذي دخل فيه الولد النحيف .المنطوي والمتابط مجموعة من الكتب.. قاعة المسرح برفة رحيم يوسف.. ليصير ممثلا .كان الاغرب بين الايام.. طلب منه ان يؤدي دورا مسرحيا. وتحاورنا عن المسرح والفن. الفتى النحيف لم يك بعد قد اكتشف وهاد الفلسفة ونيران التفلسف.. حلمه ان يذهب الى كلية الفنون.. وحلمه ان يغدو ممثلا متميزا.. ولانه اختار الحرف هجر التمثيل وغطس حتى الثمالة في دروب الفلسفة واثامها.. يسرق كتبي ويساومني عليها.. اتفقنا ان نتزوج معا.. وهذا ماكان عام91 .. ولكنه مالبث ان ضاق ذرعا بكل شيء فجاءني يطلب الخلاص.. في الاعظمية عشنا معا في بيت اصغر من احلامنا.. كان يقرا.. ويقرا.. ونظل نتحاور ونتعارك ونحلم.. هذا هو خضير ميري.. الذي قال لي في اخر مرة رايته فيها.. مالك صامت انقذني اكتب شيئا الموت يطاردني واريد ان اعيش.. وطلب مني ان نسكر سكرة الوداع .. فرفضت بل اعترضت بشدة.
فيما كتب الشاعر حسن النواب : الفيلسوف ، الشاعر ، المجنون ، الناقد ، الروائي ، الصحفي ، الصعلوك ، المعذّب ، المدمّر ، السعيد ، المحزون ، القارىء ، المثقف ، الفوضوي ، الحكيم ، المبدع ، السياسي ، المفكّر ، المفلس ، الثري ، الخمّار ، المدخّن ، المتأمل ، المشّاء ، المداهن ، الحويط ، التاجر ، الفقير ، الأنيق ، المتقتر ، الكريم ، المُصغي ، المتحدّث ، المتكلّم ، المجادل ، العاقل ، الإشكالوي ، الذكي ، الممزق ، العنيد ، المتسامح ، القوي ، الضعيف ، الصديق خضير ميرى .. حلّقت روحه حاملة على جنحيها صحراء بوذا والجنون والعسل ، ترى من سيكون بإستقبالك هذه الليلة عند بوابة السماء .. ؟
خضير .. ثروتك الأدبية تجمعت بكيس نايلون أسود ؟ ورحيلك فاقم وحشتي بهذه الغربة القاتلة ؟ لماذا ياصديقي ؟ تترك اصدقاءك ينحبون ؟ لماذا ؟
اما الشاعر والفنان يحيي البطاط فقال : شكل خضير ميري لحظة خاطفة وعاصفة في الثقافة العراقية المعاصرة،.. ظهوره المفاجئ في منتصف التسعينيات كان صادما ومثيرا للجدل، يكفيه أنه خطف أبصارنا وتركنا حائرين في مقولاته وأفكاره وكتاباته ولغته، شعرت يومها أنه يسخر من الجميع بمنتهى الجدية، كان يلعب بعقولنا بمرح... حياته المتقلبة وبوهيميته وحرصه على أناقته، وأفكاره المفارقة، وشخصيته (الإشكالوية) وعلاقته بالأدب والفلسفة شكلت لي شخصيا نوعا من الفرح السري الممتع الذي لم يحدث أن صادفته مرة في حياتي بمن التقيتهم من البشر،.. ميري، عقل جميل، ربما لم تتح له الفرصة كاملة ليرينا كم كان عقله جميلا، لكن بعضنا على الاقل يعرف الآن هذه الحقيقة... لتنعم روحك بالسلام الأبدي صديقي خضير..
المخرج علي ريسان كتب يقول : ياغوث .. لم يبقوا لي شيئاً في وطني غير باقة رياحين من أصدقاء وأحبة !؟. ها نحن نودع أحباب القلب كالمحطات .. الى اللقاء صديقي الناقد خضير ميري ، كانت لنا أيام جميلة في منتدى المسرح - بغداد قبل أن يحكمها الدخلاء والخونة . أرقد بسلام صديقي فنحن قادمون إليك بلا وطن !! .
المخرج د. حسين علي هارف يقول : رحل مخلفا في داخلي عذابات و تأنيب ضمير .. و تساؤلات مريرة .. هل قمنا نحن أصدقاؤه و زملاؤه بواجبنا بحقه في محنته و مرضه و وحدته ؟! شخصيا ألوم نفسي على اني تلكأت في تنفيذ مشروعي بتنظيم حملة عون و اغاثة جماعية له من أحبائه بالتشاور مع الصديق حميد المختار .. لم تكن إستجابة زملائي المسرحيين مشجعة بل محبطة للاسف و هذه حقيقة يعرفها من عرضت عليهم دعوتي لانتشال خضير وتقديم الدعم له .. عذرا صديقي خضير فلقد خيبنا أملك .. فهل لك ان ترثينا !!؟؟ لقد نلت راحة أبدية كنت الأحوج اليها .. فمتى نلحق بك ؟ لعلنا نستحقها ..
وقد استذكر الشاعر احمد عبد السادة ما نشره في احدى الصحف عن ميري وكتب: قد لا يرى البعض بأنّ هناك مناسبة للكتابة عن الصديق الكاتب خضير ميري، ولكنني أرى أنّ خضير ميري هو مناسبة بحد ذاته، حضوره الإشكالي السابق على أرض صفحة (ثقافة الصباح) مناسبة، غياب قلمه عن هذه الصفحة مناسبة أيضا للكتابة عنه، هذه الصفحة التي كان أحد أعمدتها الثقافية المهمة، وأحد مؤسسي وصنـّاع المناخ الجدلي والنقدي فيها، فقد أضفى الصديق ميري بنزعته النقدية المشاكسة وبفوضاه الخلاقة وبرؤيته الرحبة المتقبلة لطاقة الاختلاف والمحتضنة لرؤية ورأي الآخر الثقافي مهما كان ذلك الآخر ومهما تعالت درجة تناقضه واختلافه معه، أقول أضفى ميري – برؤيته تلك – على صفحة جريدة "الصباح" الثقافية صبغة جدلية منتجة وحرة جعلت من الصفحة خارطة لانبجاس وتصاهر العديد من الرؤى الثقافية المختلفة، كما جعلتها احدى المحركات الثقافية المهمة في المشهد الثقافي العراقي.
لكي لا أسقط في فخ المديح الكامل الذي يرادف الزيف برأيي، ولكي أقطع الهواء عن رئة بعض التأويلات العليلة التي يتقنها بعض مثقفينا، أريد أن أنشط ذاكرة قراء (ثقافية الصباح) الاعزاء بالتذكير بأنني كنت أحد المختلفين القساة مع ميري وذلك في مفصل ثقافي أثير سابقا، ولكن هذا الشيء لم يمنع الصديق ميري – رغم حدة الاختلاف في وقتها – من أن يقول بأنّ هذا الاختلاف هو عين الصواب.