TOP

جريدة المدى > عام > في ذكرى رحيله..ما الذي بقي من السياب.. كي نقرأه؟

في ذكرى رحيله..ما الذي بقي من السياب.. كي نقرأه؟

نشر في: 27 ديسمبر, 2015: 09:01 م

القسم الاول(1)لكي نزيل التصور بأن سؤال العنوان يذهب إلى مقاصد الشك تلك التي تبناها البعض فإننا نبادر بالقول بأن هناك الكثير الذي  بقي للسيّاب ، وبعد نصف قرن من رحيله مما لم ينل كفايات قرائية وافية ، أو ماهو مهيأ لقراءة أخرى بأدوات معرفية جديدة و

القسم الاول

(1)
لكي نزيل التصور بأن سؤال العنوان يذهب إلى مقاصد الشك تلك التي تبناها البعض فإننا نبادر بالقول بأن هناك الكثير الذي  بقي للسيّاب ، وبعد نصف قرن من رحيله مما لم ينل كفايات قرائية وافية ، أو ماهو مهيأ لقراءة أخرى بأدوات معرفية جديدة ووعي آخر. ولذا فلن يكون ادعاء القول بأن شعر السياب يتفرد مع قلة من أمثلة المنجز الشعري العربي في أنه يمتلك الطاقة التي تستطيع أن تمد القراءة بما تريد أن تقف عنده . وأن كل عودة إلى شعر السياب بوعي قرائي جاد التأمل ستجد جديداً يغريها بالوقوف عنده وتأمله مما لم يسبق للقراءات السابقة أن انتبهت إليه ، حتى لتبدو عوالم السيّاب الشعرية كالطبيعة لا تنفد مخبوءاتها وكنوزها ، أو تذبل روحها .
وإذن ، فقد أردنا بوضعه عنواناً مسايرين ـ حتى حين ـ ما صار يتردد من تلك التقولات التي ترى أن متن السياب بتفصيلاته كلها قد اتخم من قراءات متواترة ، وبشتى أنواع البحث والدرس والتقصي النقدي والأكاديمي وسواهما ، بما لم يبق فيه موطئ قدم مضاف لاستعادة قرائية جديدة. وتلك كلمة حق لا باطل في جزئها الأول ذي التوصيف الراصد ، كما هو في سؤالها  المضمر الذي يريد للدرس السيابي أن يتوقف مداه ومدده.
لقد تلاحقت القراءات وتراصت بشتى مناهجها وتوجهات أصحابها في الكر القرائي الجاد على تجربة السياب بمتونها الإنسانية والإبداعية ، حتى لا تكاد تداني قراءات السياب أية قراءات في تجارب شعرية أخرى قديمة أو حديثة ، ومن هنا يحق لنا أن نتكلم عن مكتبة سيابية باذخة المكونات ، عمرها عمر سنوات الرحيل التي ذهب في غياباتها جسد هذا الشاعر الخالد .
وفعل القراءة الذي يواجه النص السيابي ـ ونقصده هنا ـ هو ليس ذلك الجهد الذاتي التذوقي الذي تتأسس عليه رغبة الانشداد إلى شعر السياب أو مجافاته بل عبر إحالة أي من الموقفين ممارسة إجرائية تذهب الى النص السيابي مجهزة بأدوات وخبرة منهجية تحاور النص بها ومن خلالها ، لتصنع مستوى من المثاقفة القرائية الجادة .

(2)
كان منطلق القراءات المتواترة لشعر السياب ما يواجهها فيه من اتساع المتن الذي يخبر عن قيمه في بعدي (شاعرية) السياب و(شعريته) ، تلكما الفاعليتان اللتان يمكن من خلالهما تبيان قيم التجربة ومتحققها في تاريخية حضورها وبعدها الفكري الرؤى التي تبنتها وفي المنجز الجمالي أيضاً، ومع السياب  دون سواه .
وإذا كان فضاء تلك القراءات المتسع تمثلاً لقناعات موضوعية كانت تجربة السياب الشعرية جديرة بها حقاً ، فقد بدا لنا أن هناك جانباً من الجهد المبذول في قراءة المتن السيابي ـ بتفصيلاته الإنسانية والشعرية ـ يمكن لمتلقيه أن يلمس فيه ما يؤشر مضمراً يشكل التعاطف واحدة من دوافعه  ، فلقد شرع موت السياب الدرامي والمتسلسل في وقائعه ـ وما سبقه من مكابداته متعددة الأوجه والوقائع ـ باباً لا يكاد يغلق حتى يومنا هذا من المواقف المختلفة في تمثلاتها الشعورية التي بدا لنا إمكانية أن نستعير لها ماكان قد قاله السياب نفسه ـ في واحدة من قصائده ـ عن مواقف الآخرين منه أيام غربته فهو بين :(احتقار) و(انتهار) و(ازورار) أو (خطيه) ، (تنظر قصيدته : غريب على الخليج). وإذ لم يعد هناك من يقدر أن يتخذ الموقفين الأولين بعد أن ارتقى السياب ومنجزه الشعري إلى مصاف من الخلود التاريخي والجمالي الذي لا يمكن نكرانه ، فلعل الموقفين الأخيرين مايزال لهما الذي يدل عليهما مما يثير رغبة التأمل والمراجعة ، ولاسيما الرابع الذي يبدو أنه قد أسس ـ لاحقاً وحتى وقتنا الراهن ـ للإحساس بالتقصير في إعطاء السياب ـ أوان حياته ـ مايستحقه من مكانة شعرية كان على أعلى منصات الجدارة بها . حتى ليمسي ذلك نوعاً من عقدة الذنب ـ التي تبدو واضحة عند المثقف العراقي أكثر من سواه ـ تلك التي لاتمحوها إلا الكتابة عن السياب وشعره ، ليس لأنه جدير بذلك ــ وهو أمر لا يختلف فيه رأيان إلا كان أحدهما مغرضاً ـ ولكن فيها ما يوحي بمسعى التبرؤ من قسوة أقدار السياب وما سايرها من مواقف الآخرين ، حتى لتبدو بعض تلك الكتابات ـ ولاسيما عند بعض مجايليه ـ وكأنها من مقتضيات التنصل عن تلك الجريرة ، والانضمام إلى (النقاد التوابين) ، أو تقديم فروض الترحم من قبل أولئك الذين جاءوا لاحقاً.
ومنطلق هذه الرؤية لدينا أن من يراجع تاريخية الكتابة النقدية عن السياب سيجد أنها جاءت بعد وفاته ، ابتداء بدراسة (محمود العبطة المحامي) الرائدة التي جعل عنوانها: (بدر شاكر السياب والحركة الشعرية الجديدة في العراق) وصدرت في العام 1965م، تتلوها في العام اللاحق دراستا :عبد الجبار داود البصري (بدر شاكر السياب رائد الشعر الحر) ، ودراسة سيمون جارجي (بدر شاكر السياب ـ الرجل والشاعر) ، لتشهد السنوات اللاحقة توالي الدراسات عن حياة السياب وشعره ، كان أبرزها ما أنجزه الدكتور إحسان عباس في كتابه الذي صدرت طبعته الأولى في العام 1969م : (بدر شاكر السياب ـ دراسة في حياته وشعره)، وماقدمه (حسن توفيق) من قراءة أكاديمية جادة في كتابه الصادر عام 1979م (شعر بدر شاكر السياب ـ دراسة فنية وفكرية) . وفي ما تلا ذلك من أعوام وعقود فقد توالت الدراسات ـ بمختلف التوجهات والمناهج ـ  التي تتناول تجربة السياب الإنسانية والشعرية ، وتتدافع قرائياً عليها ، وهي من الكثرة بما يملأ صفحات من الرصد والتسجيل .
وإذ تستوقف تلك الجهود المثابرة متابعها باتساع منجزها ورصده لسطوح المتن السيابي ومخبوءاته ، فإن التساؤل المشروع يبقى قائماً : هل يمكننا حقاً الاكتفاء بذلك الذي كتب عن السياب كله وعده مرجعاً على اللاحق أن (يستحي) ويعود أدراجه منشغلاً باستعادته وحده ، من دون أمل أن يحالفه الحظ ـ إذا سعى لقراءة لاحقة ـ بالتقاطات قرائية مضافة؟.
لاشك في أن مثل هذا القول محض جدل مدعى،إذ ليس ذلك من سنن المعرفة ولا انشغالاتها التي تواصل تجديد أدواتها ووسائلها وتواصلاتها مع ماحولها ، لتنتج المضاف والمغاير. وهذا ما يشرع الباب لقراءة أية ظاهرة بتواتر لايتوقف مادامت آفاق المعرفة الإنسانية وكشوفاتها غير قابلة للصدأ ، أو الركود الذي يغيّب قيمها عن أفق التلقي والتوقف المستعيد، ويحيلها إلى مآلات الصمت والانغلاق .
إن الإبداع ـ ومنذ أن وجد ـ وأعلن عن فضاءاته التي لايحدها أفق فقد أمست ملاحقاته القرائية نافرة عن القرارة في مكانها ، ولاهثة في خطى الكشف الذي لاينأى يصنع مستقبله القرائي الدائب.
ولأن السياب صانع إبداع شعري خصيب وتجربة إنسانية تتماهى معه ـ حتى لايكاد  مددها الإنساني والجمالي ليتوقف عن إثارة النزوع القرائي لمقاربتها والامتياح من كشوفاتهما المغرية والشادة والشاغلة في كل آن ـ فقد بقي ـ ويبقى ـ نصاً مقروءاً بضراوة أدبياً ونقدياً ، ليبقى غنى التجربة الشعرية التي توافر عليها السياب يفتح كوى لتأملات وقراءات نقدية لا تنقطع ، تمتاح من آفاق تلك التجربة ومساحة فاعليتها وصدقها في تمثل قيم الابداع والانقطاع الخلاق إليها.

(3)
لعلنا ـ بعد كل هذا الذي تداولناه آنفاً ـ مازلنا في مثار الإجابة عن سؤال العنوان : ما الذي بقي من السياب ... كي نقرأه ؟  ، لاسيما ونحن مع من يقر بأن قوس المنجز السيابي مايزال فيه من منزع القراءة الكثير الذي تمكن مقاربته ، حتى لن يكون ادعاء القول بأن شعر السياب يتفرد مع قلة من أمثلة المنجز الشعري العربي ـ قديمه وحديثه ـ في أنه يمتلك قدرات متواترة تمد القراءة بما تريد أن تقف عنده . وأن كل عودة إلى شعر السياب بوعي قرائي متمثل لأدواته ، سوف تجد ما يغريها بالوقوف عنده وتأمله ، وتعيين ما لم يسبق للقراءات السابقة أن انتبهت إليه.
وإذ لا ندعي أننا هنا في مآل التقنين لما تبقى من مجالات صالحة لمقتربات قرائية أخرى عن السياب وتجربته الشعرية . كما أن مسعانا للإجابة لا ينهمك بتقديم مقترحات لم يتنبه إليها سوانا ، فما سيرد من أفكار إنما يندرج في أفق التواصل الذي طالما كان شاغلنا ، ذلك الذي لا تذبل نوازعه للكشف عن تلك النضارة الدائمة لشعر السياب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

"كِينْزُو تَانْغَا"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5842-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

د. خالد السلطانيمعمار وأكاديميعندما يذكر اسم "كينزو تانغا" (1913 - 2005) Kenzō Tange، تحضر "العمارة اليابانية" مباشرة في الفكر وفي الذاكرة، فهذا المعمار المجدـ استطاع عبر عمل استمر عقوداً من السنين المثمرة ان يمنح العمارة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram