العراقيون الآن مرة جديدة في حيص بيص، فإذا بدا لهم أن لغز الدروع المضادة للرصاص المجهزة إلى قوات الشرطة والحشد الشعبي قد انفكّ، انغلقت عليهم المتاهة من جديد، كما سبق وحصل مع جهازكشف المتفجرات، فلم يعودوا يعرفون أين تكمن الحقيقة. والسبب دائماً وأبداً كبار المسؤولين في الدولة الذين يُدلون بتصريحات متضاربة ويُقدّمون معلومات متناقضة.
وزارة الداخلية أعلنت غير مرة، حتى على لسان وزيرها، الثبوت لها بالدليل القاطع أن الدروع التي جهّزتها شركة الصناعات الجلدية (وزارة الصناعة) ليست مضادة للرصاص، وأن وراء القضية صفقة تندرج في سياق الفساد الإداري والمالي الذي لم يدع ركناً من أركان الدولة، بما فيها الهيئات والإدارات العليا، لم يضربه ويقوّضه، فصار يجري في عروق الأغلبية الساحقة من مسؤولي الدولة الكبار وموظفيها الصغار أيضاً، على النحو الذي يراه العراقيون بأم العين ويتلمسونه ويشمونه ويتذوقونه مباشرة، متجسداً لهم في الخزينة العامة الخاوية برغم دخول أكثر من 600 مليار دولار في عشر سنوات لم يظهر لها أي أثر. وعلى خطى الداخلية مشت وزارة الدفاع لتعلن من جانبها أن معلومات الداخلية صحيحة.
وزارة الصناعة من جهتها، حتى على لسان وزيرها أيضاّ، ردّت بأنها واثقة ومتأكدة من أن الدروع التي صنّعتها وجهّزت بها قوات الشرطة والحشد الشعبي هي مضادة للرصاص مئة بالمئة، والتجارب والاختبارات أثبتت ذلك. بعض المصادر في وزارة الصناعة، وكذلك بعض المصادر الاقتصادية والسياسية خارج الوزارة، ترى أن ثمة "مؤامرة" على الصناعة الوطنية، وأن مافيات الفساد الاداري والمالي لا تريد لعجلة هذه الصناعة أن تدور لأن دورانها سيعني إغلاق أبواب الفساد المشرعة على عمليات الاستيراد من الخارج، فصفقات الاستيراد لا تُعقد إلا بعد دفع "المقسوم" الذي هو ملايين وعشرات الملايين من الدولارات.
نحن واقعون الآن في حيص بيص عن حق، فوزارة الداخلية كما وزارة الدفاع هي وزارتنا ووزارة الصناعة هي وزارتنا أيضاً، ومن المفترض أن تكون كلّ منها ناطقة بالحقيقة، لكن في قضية الدروع هذه لابدّ أن أحد الطرفين كاذب والآخر صادق... لا يمكن أن يكون كلاهما صادقاً أو كلاهما كاذباً. المشكلة، بالنسبة لنا نحن الإعلاميين، كما لسائر الناس، أنه ليس في وسعنا التحقّق من صدق الوزارة الصادقة ومن كذب الوزارة الكاذبة. هذا يرجع الى أن نظامنا "الديمقراطي" لم يعترف ويقرّ بعد بحق الإعلاميين، وكل الناس في هذه البلاد، في الوصول الحر إلى المعلومات. ووراء عدم الاعتراف والإقرار بهذا الحق وعدم تشريع قانون يكفله ويضمن التمتّع به، تقف الطبقة السياسية الحاكمة .. إنها طبقة فاسدة بامتياز.. هي من يتولى عمليات الصفقات الفاسدة، إن في العقود الداخلية أو في العقود الخارجية، وتشريع قانون يكرّس حق العراقيين، بمن فيهم الإعلاميون، في الوصول الحرّ إلى المعلومات، سيعني الكشف عن فساد هذه الطبقة.
ستضيع علينا حقيقة الدروع كما ضاعت حقيقة جهاز كشف المتفجرات، كما ضاعت حقيقة عشرات مليارات الدولارات الفائضة من الموازنات السابقة، كما ضاعت حقيقة مئات المليارات المهرّبة الى الخارج، كما ضاعت حقيقة صفقات الأسلحة الروسية والبولونية والتشيكية، كما ضاعت حقيقة مشاريع ماء الرصافة ودار الأوبرا وبغداد عاصمة الثقافة العربية، وسواها بالمئات في بلد يعاقب قضاؤه شرطي المرور المرتشي بخمسة عشر دولاراً بالسجن سنة كاملة، فيما حكومته تسهّل سفر وزير التجارة أو وزير الكهرباء أو وزير الدفاع المتهم بسرقة المليارات، من الباب الرئيسة للمطار محمياً بمواكبةٍ مسلحة حتى باب الطائرة!
تصويب:
ارتكب الزميل المدقق اللغوي، وهو يدقق عمود أمس، خطأ فادحاً (صححناه في النسخة الالكترونية وبقي في النسخة الورقية )، فقد حوّل كلمة "الطائفين" (في موقع فيسبوك) الى "الطائفيين"، والفرق في المعنى كبير. اقتضى التنويه والاعتذار.
حيص بيص إلى الأبد!
[post-views]
نشر في: 27 ديسمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 4
ابو احمد
بخصوص الدروع الواقية ة اي الوزيرين صادق اقترح ان يرتدي وزير الصناعة الدرع الواقي وتطلق عليه صلات من طلقات الكلاشنكوف فان وقاه الدرع يكون صادقا وتنكشف مزاعم وزير الداخلية وبعكسه سيكون ضحية لعدم الصدق كما ولدي سؤال بصدد الموضوع وهو هل هما وزيرين في حكومة وا
خليلو...
ليس ثمة فرق كبير بين المفردتين ، الأولى إما أسم فاعل من طاف يطوف وإما إسم منسوب الى الطائف.أما الثانية فإسم منسوب الى الطائفة وعلى رايً الشيخ أبي الفتح عثمان بن جني فإن الإسمين -وفق نظرية الإشتقاق الأكبر- يدلان على الطواف والتحرك حول شيئ لهذا فإن الطائفة
saad mosawi
الدوله صانع فاشل وزارع فاشل وتاجر فاشل وهذه حفبفه بسيطه اكتشفها العالم المتقدم ومازلنا لم نفهمها بعد ........الدروع بعضها صالح والجزء الاكبر فاشل وهذا كان واضحافي المؤتمر الصحفي مع وافر التحيه
خليلو...
وبسبب الشرود المشار إليه في التعليق السابق سهوت عن اضافة جملة مكملة اليه وهي :أن ارباب الطائفية من الساسة نصبوا لأنفسهم صنما اسمه الطائفة فصاروا يطوفون حوله ممجدينه لان الخير الذي وضعتهم الصدفة فيه إنما كان بفضل ذلك الصنم ...الطائفية السائدة في العرا