بعدما ذهبت سكرة النفط، من المُفترض أن تأتي الآن الفكرة. ومثلما كانت سكرة النفط في السبعينيات من القرن الماضي قد ذهبت بعقل صدام ففعل ما يُقدم عليه المجانين في العادة، وهو إيقاد النار، مشعلاً الحرائق في الداخل والخارج، فإن سكرة النفط قد ذهبت بعقول حكامنا منذ العام 2006، وهو العام الذي طفر فيه انتاجنا النفطي وأسعار النفط في السوق الدولية طفرة فلكية، فأشعلوا حرائقهم الداخلية التي أتت على الأخضر واليابس، فها نحن الآن على حافة مصير مرعب من المقدر له أن يواجهنا في غضون أشهر قليلة من الآن، إن لم نمسك بالفكرة بعد السكرة.
الفكرة ليست فقط في أن نعود إلى زراعتنا وصناعتنا.. لدينا منجم من الذهب لا يحتاج الاستثمار فيه إلا الى القليل من المال والجهد، ولكن أيضاً إلى الكثير من الغيرة الوطنية والشعور بالمسؤولية حيال الشعب والوطن.
منذ أيام كنتُ أشارك في دورة تدريبية في موضوع صحافة حقوق الانسان، نظّمتها النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين، في مدينة الناصرية لعدد من الصحفيات والصحفيين في المحافظات الجنوبية. ويوم الجمعة بعد الظهر نُظّمت لنا زيارة الى مدينة أور الأثرية. كانت هذه هي المرة الأولى التي أصل فيها إلى هناك وأقف كغيري مندهشاً أمام الزقّورة الشهيرة وأرتقيها.. إنها تحفة معمارية مذهلة تنتصب بكل الأبهة والزهو وسط الأرض المنبسطة التي كان بعضها منذ أربعة آلاف سنة (تاريخ الزقورة) حافةً أو ساحلاً للخليج (العربي الآن).
هذا الأثر الفخم وملحقاته من بقايا القصور والمقابر الملكية، يمكنها أن تغدو مصنعاً دائب الحركة لسبائك الذهب .. عشرات الآلاف من السيّاح من شتى أنحاء العالم يُمكن اجتذابهم شهرياً إلى هذه المدينة الأثرية الفريدة من نوعها الصامدة عمارتها بزهو، وإلى الأهوار القريبة أيضاً، وهو ما يعني مئات ملايين الدولارات التي ستتدفق على محافظة ذي قار والمحافظات المجاورة، وبخاصة البصرة التي يوجد فيها مطار دولي يُمكن تنظيم رحلات جوية إليه لنقل السيّاح، وفي المستطاع أيضاً انشاء أسطول من الحافلات الحديثة التي توضع في خدمة السيّاح.
مشروع كهذا سيُنعش اقتصاد محافظات الجنوب الأربع كلها.. سيوفّر فرص العمل للآلاف من شبابها العاطلين، وسيحوّل مدن هذه المحافظات من مكبّات للنفايات والأنقاض، وهذي هي حالها الآن، الى جنائن ... كل ما يتطلبه الأمر أن تتعاون الدولة والقطاع الخاص في الإستثمار في هذا الميدان .. الدولة توفّر البيئة الآمنة والقطاع الخاص يقدّم المال، وكلاهما لديه القدرة الكافية.
النفط لعنة حقيقية، فها هو يُذلّنا ويُذلّ دولتنا مع انهيار أسعاره.. والسياحة في المقابل صناعة مزدهرة، لا تكسد بضاعتها ولا تتراجع عائداتها أبداً.
منجم ذهب.. في مكبّ للنفايات!
[post-views]
نشر في: 28 ديسمبر, 2015: 09:01 م