TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رحلة استكشاف أدبية عبر أميركا الوسطى

رحلة استكشاف أدبية عبر أميركا الوسطى

نشر في: 29 ديسمبر, 2015: 09:01 م

1-5
عند الحديث عن أميركا اللاتينية، يوجه المرء أنظاره عادة ناحية المكسيك، شمالاً، ثم يهبط فجأة إلى كولومبيا، بيرو، الأرجنتين .. إلخ، إلى تلك البلدان التي جاءت منها روايات ما أُطلق عليه في الستينات في أوروبا روايات "بوم" (الرواج). رغم أن في الوسط تقع بلدان أميركا الوسطى، غواتيمالا، السلفادور، هندوراس، نيكاراغوا، كوستاريكا وبنما، بلدان نادراً ما تثير الانتباه عندنا. نيكاراغوا مثلاً التي تصدرت الأخبار في سنوات الثمانيات لم يعد يُسمع عنها شيء اليوم، الأمر ذاته مع السلفادور، حيث دارت فيها حرب أهلية استمرت قرابة اثني عشر عاماً، بدأت 1979 وانتهت مع توقيع معاهدات السلام في المكسيك عام 1992. عند الحديث عن كوستاريكا فأول ما يتبادر إلى الذهن، الموز، القهوة، الشركات الوهمية، كرة القدم. في حالة بنما، يفكر المرء ببناء القنال وبواحة الهروب من الضرائب. عدا ذلك، لا يخطر على بالنا غير الجريمة والقتل، المخدرات، عصابات مارا والفساد والرشوة. لكن هل الأمر بهذه السهولة؟ لماذا هذا الصمت، وأميركا الوسطى أعطت في القرن العشرين على الأقل ثلاثة عمالقة للأدب الإسباني الحديث، الروائي الغواتيمالي "أنخيل ميغل أستورياس" الحائز على جائزة نوبل للآداب 1967 وصاحب الرواية التي أسست لرواية الديكتاتور في أميركا اللاتينية "السيد الرئيس" (1946)، روبن داريو (1867- 1916)، الشاعر النيكاراغواني، أحد مؤسسي الحدائة الشعرية في اسبانيا وأميركا اللاتينية، روكه دالتون (1935-1975)، شاعر حداثة سلفادوري ثوّر الشعر الاسباني أيضاً، خاصة بما يخص موضوعاته السياسية واقترابه من كتابة القصيدة اليومية.
في خطابه الشهير في ليلة تسلمه جائزة نوبل للآداب عام 1982، تحدث غارسيا ماركيز عن "مائة عام من عزلة القارة اللاتينية"، وقبله بثلاثة عقود كتب صاحب النوبل الآخر المكسيكي أوكتافيو باث "في متاهة العزلة" المكسيكية، "العزلة" الكلمة المحببة التي تناقلتها ألسنة أدباء أميركا اللاتينية، هي بالأحرى الكلمة المناسبة لوصف حال بلدان أميركا الوسطى. ربما باستثناء كوستاريكا، ليس لأن البلاد هذه اخترعت لنفسها أسطورة أنها "سويسرا أميركا اللاتينية"، أو لأنها بالفعل البلد الأكثر غلاء وأوفر فرصاً للعمل من البلدان الأخرى ربما تنافسها في هذا بنما فقط، أو لأن شعبها حسب الإحصائيات الأخيرة أكثر شعوب العالم سعادة، بل لأنها البلاد الوحيدة التي لم تعرف ديكتاتوريات عسكرية وحروباً أهليه أو تملك جيشاً أصلاً. من ناحية ينظر جيران أميركا الوسطى في الشمال وفي الجنوب، نظرة فوقية لها، "بلدان في طور التطور"، أو "بلدان متخلفة" بالنسبة للبعض، لكن من الناحية الأخرى، لا يخفي العديد من كتّاب أميركا اللاتينية، أيضاً حسدهم لزملائهم من كتّاب أميركا الوسطى، "هنا ما يزال يلتقي المرء يومياً بكنوز من القصص"، كما صرح لي كاتب من الأورغواي، كان مدعواً لمعرض الكتاب في سان خوزيه، كلامه لا يجافي الحقيقة، لأن العيش في بلدان مثل غواتيمالا، السلفادور، هندوراس، نيكاراغوا، هو تحدٍّ. السياسة والدخول في صراع مع السلطة، هما من ميزات الأدب في هذه البلدان.
في العقود الماضية، حتى نهاية الثمانينات، ونهاية الحرب البادرة، كان على أدباء هذه البلدان، مثلهم مثل بقية زملائهم من قارة أميركا اللاتينية، الذهاب إلى المنفى، إذا أرادوا الكتابة بحرية. اليوم وبعد أفول نجم الديكتاتوريات العسكرية، وتداول السلطة بشكل "سلمي" عن طريق الانتخابات البرلمانية، شكلياً لم تعد هناك رقابة، الكل يستطيع التعبير عن رأيه بشكل حر، لكن عملياً على الأدباء، البحث عن دور جديد لهم في الحياة اليومية في مجتمعات صحيح أنها ودعت الحروب الأهلية بأشكالها الكلاسيكية، لكن صراعاتها القديمة ما زالت تراوح في مكانها، وإن بثوب جديد.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram