حكمت البخاتي(1 ـ 3 )تقوم فلسفة العلمانية وتتأسس الدلالة فيها على مفهوم وحدة اللأوس(laos) المأخوذ من الكلمة اليونانية وتعني الشعب وتدل على وحدة السكان وهي دلالة تتشكل فيها أو ينتج عنها مبدأ الحرية والمساواة ـ العلمانية، هنري بيتاروث، ترجمة د. رحيم منصور الأحرش،ص19ـ
فالفرد العلماني وبوحي تلك الدلالة لا يتميز عن أفراد اللاوس الآخرين لكن له الحق أن ينفرد عن هؤلاء الأفراد بحقوق مصانة بحق طبيعي تتعلق بالضمير والقناعة وحرية المعتقد، وينتج عن الحرية والمساواة في مجتمعات العلمانية أن تتعرض فكرة الامتيازات بمختلف صورها دينية أو اجتماعية أو طبيعية إلى إزاحة عن مركزيات ثقافة هذه المجتمعات وفي صور الإزاحة الأشد تطرفا تتكون أفكار المشاعية أو المساواة المطلقة وغير المبررة وهي تعكس في هذه الصورة حقيقة أيمان بدائي بالجماعة يتنازل الفرد بموجبه عن حقوقه للجماعة ويتكون عنه عقد اجتماعي يفضي نظريا الى فكرة الدولة ولكن في مستوى اكثر وعيا لحقيقة وحدة اللاوس تتأسس فكرة المساواة عن مفهوم حق الفرد ضمن جماعة الأفراد التي لكل فرد فيها عين الحقوق وبتساوٍ وينتقل الى أداء الواجب حيث يتكون مفهومه بأثر مفهوم الحق ويحل في مرتبة بعدية له في مجتمعات العلمانية والديمقراطية. بينما يحل الواجب في مرتبة قبلية قد تستحوذ على تراتبية الحقوق الثانوية في المجتمعات البدائية والمشاعية أو الجماعية التقليدية فالمجتمع العلماني هو مجتمع أفراد قبل أن يكون مجتمع جماعات وهي قناعات يوفر لها المجتمع الكثير من التوظيف المعرفي الأيدلوجي فيها لأنها نقطة التحول المهمة في تاريخ هذا المجتمع الحضاري والثقافي وكذلك هي رصيد لحظة انبعاثه التاريخية ورهانه في ديمومة حركته الاجتماعية وإذا كانت قناعته تلك هي التي سمحت له يا لهيمنة الثقافية والسياسية فأنه ودفاعا عن تلك الهيمنة المبررة بنتائجها الطيبة بالنسبة لهذا المجتمع لا يسمح لأي قناعة تناقض هذا التأسيس في قناعته أن تهيمن أو تفرض معتقدا على مجتمع العلمانية لكن لكل قناعة الحق ان تحيا وتمارس نشاط ثقافي وسلوكي في مجال الشأن العام حتى وان ناقضت قناعة التأسيس في المجتمع العلماني وهذا يعود في جانبه الأهم الى إيمان المجتمع العلماني بمساواة نظام القناعات لدى أعضائه لكن القناعات بطبيعتها تسعى الى الاستحواذ على ألأفكار ويمارس أصحابها نشاط دعوي الى الأيمان وهو حق أذا لم يمارس وسائل الإكراه الضغط الجسدي والنفسي أو محاولة الانفراد بهذه الامتيازات في الدعوة فأنه مسموح به في ظل أزدهارات العلمانية في مجتمعاتها وثقتها بنظامها الاجتماعي والسياسي ولعل نجاح الدعويين الإسلاميين في مجتمعات الغرب العلمانية في نشر الإسلام بينها الى أواخر السبعينيات يشير الى أمكانية التلاقي بين الدين والعلمانية لكن تطلع الأديان البديهي الى الاستحواذ الجماعي هو ما يثير قلق العلمانية ويشدد أحيانا في مواجهتها مع الدين بينما لا يثير البعد الجماعي في الأديان خلافا لكثيرين أية مخاوف من جانب العلمانية لأنها تدرك أهمية وأولوية هذا البعد في الأديان ولأن الفرق بين الاستحواذ والبعد الجماعي في الأديان هو أن محاولة الاستحواذ قد تفضي الى منافسة العلمانية على السلطة والدولة وتخلفها عن توفير الفرص المتساوية والمتكافئة لكل الأديان والجماعات في مجال الضمير مما يقود الى صدام بين الأديان ينتجه احتكار الضمير من قبل دين في موقع السلطة في البناء النظري الستراتيجي عند العلمانيين أما البعد الجماعي في الأديان فأنه ليس بالضرورة يقود الى مخاصمة العلمانية ناهيك عن ضرورة مخاصمة الأديان بعد أن تتمحور الأديان حول عقيدة الآخرة وانزوائها عن طلب الدنيا الذي تمتثله العلمانية وتتبناه بامتياز فالجماعة الدينية سائرة نحو الخلاص الأخروي وحتى في خلاصها الدينيوي فأنه يدخل في منظور النجاة ـ المسيح والمهدي المنتظر ـ وكذلك في تضافر الجماعة بعلاقات المودة والمحبة والأخوة في الدين تلتمس الأديان هذا الخلاص وتسعى بهذه العناصر إليه وهنا يكمن البعد الجماعي في الأديان فهو أخوة ومودة ومحبة قد تستثمرها العلمانية في ترويج سيادة السلم المدني في مجتمعات متنوعة العقائد والأديان.أن العلمانية واستنادا إلى دلالة وحدة اللاوس تنظر الى الخيار الروحي بعد أن تفصله عن الخيار السياسي على أنه شأن جماعي بعد أن تتوثق حقيقة البعد الجماعي في الأديان من وجهة نظر علمانية لكن العلمانية تمنع الدين في شأنه الجماعي ان يتحدث عن المجتمع لأنه يصادر حقوق الجماعات الأخرى في التعبير عن وجهة نظرها فينشأ مجتمع سياسي غير محايد وهي نظره متأثرة إلى حد كبير وأساسي بتنوع الجماعات الدينية في المجتمعات العلمانية التاريخية والصراعات التي تولدت فيها بفعل احتكار الضمير والسلطة معا من قبل جماعات دينية مسيحية هي في الغالب كاثوليكية في تجربة تاريخية مريرة الا أن هويات جماعات دينية نافذة في مجتمعات لا علمانية ومتنفذة على مستوى الثقافة والاجتماع تجعل من تطبيق هذا المبدأ العلماني في الحرية والمساواة أمرا بالغ الصعوبة في هذا المجتمع وخصوصا الإسلامي منها ورغم ما تطرحه تلك الجماعات الدينية من تبريرات تستند الى الثقافة والتاريخ لكنها تغض النظر عن الاجت
دلالات العلمانية والدينية اتفاقات واختلافات
نشر في: 15 يناير, 2010: 05:45 م