TOP

جريدة المدى > عام > في ذكراه الـ 51 ..صورة الشاعر.. تكعيبياً!

في ذكراه الـ 51 ..صورة الشاعر.. تكعيبياً!

نشر في: 3 يناير, 2016: 12:01 ص

يبدو الشاعر الإنكليزي ت. س. إليوت بملامحه المميزة ــ أنفه، وحاجبيه، وذقنه، البارزة الزوايا جميعاً ــ كواحد من نبلاء الأدب، لكن الذي جرى أنه قد صُوِّر فوتوغرافياً  كثيراً، ولم يرسمه أحدٌ في لوحة فنية إلا في النادر. فقد رسمه وايندهام لويس مرتين، ب

يبدو الشاعر الإنكليزي ت. س. إليوت بملامحه المميزة ــ أنفه، وحاجبيه، وذقنه، البارزة الزوايا جميعاً ــ كواحد من نبلاء الأدب، لكن الذي جرى أنه قد صُوِّر فوتوغرافياً  كثيراً، ولم يرسمه أحدٌ في لوحة فنية إلا في النادر. فقد رسمه وايندهام لويس مرتين، بما في ذلك صورة وجهية رفضتها الأكاديمية الملكية لتضمّنها " إشارة قضيبية " في خلفيتها، لكن أحداً من الرسامين المعروفين لم يرسم له شيئاً. وفي عام 1947، جرب الفنان الشاب باتريك هيرون حظه اعتماداً على قوة الصلة بين أبيه و الشاعر اللذين كانا صديقين.
وقد حدثت جلسة الرسم الأولى في مكاتب "فابر وفابر" وكان أليوت متدثّراً بمعطفه وذلك نتيجةً لحظر استخدام المدافئ الكهربائية في الفترات المتأخرة من الصباح آنذاك. وكانت رسوم هيرون الأولية لغرض تثبيت "الحقائق الجراحية التجميلية plastic" الخاصة بملامح إليوت. وأكثر من ذلك، أن جلسات الرسم أخذت ثلاث سنوات لاحقاً. وقد وصف هيرون، في فقرة لاذعة، وهو يحدّق في "عين الشاعر الرمادية" مشبّهاً ذلك بـ "النظر في أوعى عينٍ في العالم ... في مركز الوعي المعاصر ذاته". وهتف اليوت، بدوره، عند رؤيته رسوم هيرون : "إنه وجه قاسٍ، وجه قاسٍ : وجه قاسٍ جداً! لكنك تستطيع بالطبع أن يكون لك وجه قاسٍ من دون أن تكون شخصاً قاسياً!"
ولم تكن الصورة التي تمخضت عن ذلك صورة تقليدية للشاعر بل معالجة تكعيبية، ما بين الواقعية و التجريد، اختزلت اليوت إلى خطوط وسطوح ملوَّنة. وقد عُرضت اللوحة في غاليري الصور الوطنية قبل مدة حيث أمكن رؤيتها إلى جنب دراسات هيرون التخطيطية. ومن بينها عملان لم يُشاهدا من قبل ــ أحدهما تخطيط زيتي نغمي، والآخر اختزال تكعيبي تام ــ أظهرا نيَّة الرسام رؤية كل جزء من الصورة بالتساوي، مع الرأس من دون أن يكون له بروز أكثر من "وعاء القهوة الكبير في آخر لوحة ساكنة لي". غير أن اليوت، وهو الرجل الذي كتب قائلاً "لقد قستُ حياتي بملاعق القهوة"، قد جفل مع هذا لما في ذلك من عدم توقير.
وللعلم، لم يكن اليوت انكليزياً، وإنما أميركي وُلد في سانت لويس بالولايات المتحدة الأمريكية، ودرس في جامعة هارفارد، وفي جامعة السوربون في باريس، وفي جامعة أكسفورد في بريطانيا. وفي عام 1914م، استقر في لندن. وأعلن في عام 1927 أنه من الرعية الإنجليزية وأنه اعتنق المذهب الكاثوليكي، وناصر الملكية واعتمد الأسلوب الكلاسيكي في الأدب.  وقد لفتت قصائد إليوت انتباه الشاعر الأمريكي عزرا باوند في الفترة التي كان فيها إليوت موظفًا إداريًا في أحد المصارف، فشجعه وأجرى بعض التعديلات على قصائده. وراح إليوت ينشر آراءه الأدبيّة في مجلته الأدبية (الدستور) بين عامي 1922 و 1939م.  وعمل في دار نشر في لندن من عام 1925م حتى وفاته يوم 4  كانون الثاني 1965.
 وأصدر اليوت العديد من الأعمال النقدية والمسرحية، والشعرية، ومنها قصيدته الشهيرة " الأرض اليَباب " التي تُعبر عن خيبة أمل جيل ما بعد الحرب العالمية الأولى وقرفِهِ أو تَقزٌزه، وتصور عالماً مثقّلاً بالمخاوف والذّعر والشهوات العقيمة. عالماً ينتظر إشارة ما تؤذن بالخلاص أو تعدُ به. وقد أهداها صاحبها إلى زميله الشاعر عزرا باوند .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

"كِينْزُو تَانْغَا"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5842-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

د. خالد السلطانيمعمار وأكاديميعندما يذكر اسم "كينزو تانغا" (1913 - 2005) Kenzō Tange، تحضر "العمارة اليابانية" مباشرة في الفكر وفي الذاكرة، فهذا المعمار المجدـ استطاع عبر عمل استمر عقوداً من السنين المثمرة ان يمنح العمارة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram