في احياء بغدادية بجانبي الكرخ والرصافة ، يبلغ سعر المتر المربع الواحد فيها اكثر من ميلوني دينار . هناك من كتب على جدران المنازل "مطلوب عشائريا " بخط مرتبك ، يهدد من يحاول شراء العقار في حيي الكرادة والمنصور . في المناطق الشعبية جملة التحذير حاضرة في كل زقاق ، تنتظر التسوية بين الاطراف المتنازعة ، فيما يظل القانون معطلا حتى اشعار آخر .
في المدينة ، فرضت العشائر تقاليدها واعرافها ، اصبحت مرجعية قضائية لحسم النزاعات ، بدفع مبلغ من المال ثم يغلق الملف. في غياب سلطة الدولة ، مع تراجع ادارة الملف الامني ، يلجأ المتخاصمون الى عشائرهم ، لقناعتهم الأكيدة بأن العشيرة تمتلك عصا سحرية لحل مشاكل مستعصية يعجز عن معالجتها حتى مجلس الأمن الدولي .
حكومة البصرة المحلية فشلت في منع نشوب نزاعات عشائرية استخدمت فيها اسلحة متوسطة وخفيفة . المسؤولون المحليون اكتفوا بمناشدة وزارتي الدفاع والداخلية لمساعدتها في فرض وقف اطلاق النار بين عشيرتي فريد شوقي ، وعدوه اللدود محمود المليجي ، حين يصل الفيلم الى المشهد الاخير تكون اعداد الضحايا بالعشرات من الطرفين ، اما الخسائر المادية كتدمير محطات الكهرباء ، فتبقى عاطلة عن العمل لقلة التخصيصات المالية.
في الحكومة السابقة ، شكلت مجالس اسناد عشائرية في جميع المحافظات لتساعد القوات الأمنية في محاربة الجماعات المسلحة الارهابية ، والحد من نشاط الميليشيات الخارجة على القانون . رؤساء المجالس تسلموا مبالغ طائلة لدورهم الوطني المشرف في مؤازرة الحكومة ، وحث اتباعهم على الإدلاء باصواتهم في الانتخابات المحلية والتشريعية لصالح قائمة ولي نعمتهم . في وزارة الداخلية مديرية خاصة بشؤون العشائر ، هي الاخرى فشلت في ايقاف النزاعات . المرجعية الدينية في النجف دعت الى التخلي عن السلاح ، لكن صوتها لم يصل الى القرنة والهارثة ، المقاتلون اصروا على مواصلة خوض المنازلة في ساحات الوغى ، لتجديد حرب البسوس باسخدام صواريخ الكاتيوشا.
تكرار النزاعات العشائرية المسلحة في محافظة البصرة ،عاصمة العراق الاقتصادية على حد وصف بعض زعماء النخب السياسية ، يفتح الباب لطرح العديد من الاسئلة امام الحكومة المحلية لتجيب على تساؤلات تتعلق باحتمال وقوف جهات سياسية وراء اندلاعها ، كيف وصلت الاسلحة المتوسطة والثقيلة الى ابناء العشائر ، مادور الاجهزة الامنية في فرض سيطرتها في مناطق النزاع ؟ الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها تقع ايضا على عاتق القوى السياسية الممثلة في حكومة البصرة المحلية.
ابناء البصرة يتحدثون عن بروز ظاهرة المتاجرة بالمخدرات خلال السنوات الماضية ، لغرض تهريبها الى دول خليجية ، هذا النوع من النشاط التجاري المحظور بموجب اعتبارات قانونية دولية واخلاقية تمارسه جهات تمتلك نفوذا يتجاوز الساحة المحلية ، ربما تكون السبب في اثارة الصراع الأزلي بين فريد شوقي ومحمود المليجي.
كاتيوشا العشائر
[post-views]
نشر في: 2 يناير, 2016: 09:01 م