كلكامش فشل في العثور على عشبة الخلود فأصيب بخيبة أمل كبيرة انتقلت الى الاجيال العراقية ، من زمن استخدام الفؤوس الى الهاونات والكاتيوشيا بين الاطراف المتنازعة على بسط النفوذ ، شعر العراقي بانه يقف بجوار برميل بارود ، فتيله بيد احمق يمتلك قرار اشعاله في اية لحظة ، انتشارالموت الأسود في ارض ما بين النهرين ، خلف موجات نزوح كبيرة ، بحثا عن اماكن آمنة لتفادي الانقراض، الشواهد والوقائع في التاريخ سجلت استمرار احداث التهجير والغزو، فاصبح التشبث بالارض مغامرة ، امام زحف الوحوش الكاسرة .
الشباب العراقيون المهاجرون الى أوربا ، عبروا البحار للوصول الى محطة أمان تجردهم من مشاعر الخوف بالتهديد ، من نجا من الغرق ظل يلازمه سؤال ماذا يعني الوطن حين يكون بحجم الكارثة ، "قوارب الروح " مسلسل تلفزيوني ، يحاول مؤلفه ومخرجه جبار المشهداني ، الاجابة على السؤال لعله يخفف من أعباء خيبة سلالة كلكامش .
الدراما التفلزيونية العراقية إنتاج الدولة على مدى السنوات الماضية باستثناء اعمال قليلة ، تناولت احداث الماضي ، كلفت ملايين الدولارات ، لم تستطع الجهة المنتجة تسويقها الى الخارج لان مضامينها محلية لا تعني المشاهد العربي ، فخسرت الدولة الجهد والمال، الدراما التلفزيونية العراقية ظلت حبيسة شرنقة الميول والتوجهات السياسية ، تلقت ضربة قاضية باجراءات التقشف، على الرغم من وجود كفاءات وخبرات بإمكانها ان تجعل الدراما العراقية بمستوى نظيراتها السورية والخليجية ، ولاسيما ان الواقع العراقي يغري الكتاب والمخرجين على تناوله من كل الزوايا ليصل الى جمهور عريض من المشاهدين ، يجهل كل تفاصيل ما يجري في الساحة العراقية نتيجة تاثره بخطاب اعلامي موجه يخالف الحقائق ، المشهداني أخذ على عاتقه مسؤولية المواجهة ، غامر في دخول معترك الانتاج الفني ، باع سيارته الخاصة وقطعة ارض ، واشياء اخرى ربما تكون عزيزة جدا لديه ، فقاد "قوارب الروح " بصحبته الفنان المعروف حسين نعمة ، والاء حسين وسعد محسن ، فضلا عن ممثلين آخرين في رحلة نحو المجهول، مشاهد المسلسل صورت في تركيا وجورجيا والبحر الاسود ، بمشاركة ممثلين سوريين ومصريين وأتراك وجورجيين ، جمعهم المشهداني في مسلسله ليقتفي اثر المهاجرين العراقيين الى اوربا ، مغامرة من هذا النوع كان الأجدر ان تكون بدعم الدولة ، لكن هذه الفرضية في حساب المسؤولين العراقيين ليست مجدية ، لانهم يعتقدون بان البيانات الرسمية وتصريحات الزعماء السياسيين أكثر تاثيراً في الرأي العام من مغامرة المشهداني.
الجهات الرسمية المعنية بالانتاج الفني سبق ان منحت لمنتجين أموالا طائلة لتطوير الدراما التلفزيونية العراقية ، على وفق نظرية تقاسم النسب ، واعطاء الحصة الاكبر للمشرف العام ، هذا النوع من المنتجين اختفى في زمن التقشف ، مغامرة قائد "قوارب الروح" قد تفتح الافاق امام عودة نشاط القطاع الخاص الى الساحة الفنية حين تتوفر فرصة حرية العمل ، وحرمان المشرف العام من الحصول على حصة الواوي من الغنيمة.
"قوارب الروح" الى المجهول
[post-views]
نشر في: 3 يناير, 2016: 09:01 م