حازم مبيضينيمكن النظر إلى زيارة الرئيس السوري بشار الاسد إلى الرياض،على أنها تبادل لوجهات النظر، بشأن الصراع الذي وجدت السعودية نفسها طرفاً فيه مع الحوثيين،الذين نقلوا معركتهم مع السلطات اليمنية إلى الاراضي السعودية مدعومين – على الأقل إعلامياً من حكام إيران،الذين تربطهم بالسوريين علاقات متميزة،
لم تمنع الاسد من تأييد الموقف السعودي في هذا الملف تحديداً،وبما يعني في محصلة الأمر أن هناك انحيازاً دمشقياً الى الرياض،مشابهاً لانحيازها إلى تركيا رغم علاقتها الوثيقة مع طهران،التي تنتهج سياسةً مغايرةً للنهج التركي،الساعي لحل النزاع بين سورية واسرائيل بالطرق السلمية،في حين تجيش طهران،وتعمل على إثارة النزعة العسكرية في كل أنحاء المنطقة لحل هذا النزاع.تدرك دمشق أهمية عمقها العربي،وهي في هذا الاطار تحاول تحسين علاقتها مع الرياض والقاهرة،وتدفع فواتير ذلك من حساب علاقتها مع طهران،وهي تدرك بشكل مساو ربما ضرورة التمسك بعلاقتها مع الايرانيين على أن يتوازن ذلك مع ارتباطها بالجارة تركيا،ويناور صانع السياسة السوري ببراعة بين هذه الاتجاهات ليحافظ على صورة سورية كلاعب أساسي في هذه المنطقة،وكقوة إقليمية تنبع قوتها من تحالفاتها القابلة للتغيير عند أي منعطف،ما دام صاحب القرار غير قادر على لعب هذا الدور استناداً الى القوة العسكرية،ويتقن السوريون هذه اللعبة في الوقت الذي يدرك فيه الجميع أهمية أين تصطف السياسة السورية التي يبدو واضحاً جداً الآن انها تصطف مع مصالحها أولاً وعاشراً وتنحاز إلى خيارات الحفاظ على دورها المتميز. تقف السياسة السورية في منطقة وسط بين التوجهين التركي والإيراني لكنها لم تبلور توجهاً ثابتاً خاصاً بها،وهي بذلك تقيم سياستها الخارجية على تمتين علاقاتها مع إيران والدول الخليجية في آن معاً،رغم التباين الواضح في السياسات بين هؤلاء،كما أنها تتجه بقوة إلى تركيا التي تجاهر بتحالفاتها سواء مع حلف الأطلسي،أو مع إسرائيل التي تقيم معها علاقات دبلوماسية اهتزت مؤخراً لكنها ما تزال قائمة،وتحظى بمباركة العديد الذين يرون فيها مفتاحاً لحل مشكلة احتلال الجولان السوري،دون أن يقودهم ذلك إلى أمل تحريرها بقوة الجيوش العثمانية،فتركيا أذكى من الانغماس كلية في أزمة الشرق الاوسط العويصة،وإن كانت تسعى إلى تعظيم دورها في المنطقة على حساب الدور المصري.بعد أكثر من أربعين عاماً من محاولات بناء توازن استراتيجي مع إسرائيل،وثلاثين عاماً قبلها من بناء القوة العسكرية بهدف تحرير فلسطين،يدرك صانع السياسة السورية أن بناء التحالفات الإقليمية على أسس مصلحية أجدى وأكثر نفعاً،ويدرك أن إدارة الظهر للعالم والتمسك بصديق واحد كان خطأ مدفوع الثمن،ويدرك أن موازين القوى تتغير بين ليلة وضحاها،وأن وضع البيض كله في سلة واحدة خطيئة لا تغتفر،وهو لكل ذلك يتحرك في المنطقة على أسس جديدة،وإن كانت لم تتبلور بشكلها النهائي بعد،ويعرف أن المناورة يجب أن تظل في حدود كسب المزيد من المؤيدين والأصدقاء،حتى وإن اختلفت الرؤى معهم حول بعض القضايا،والمؤكد أن اللجوء لهذه السياسة هو لمصلحة سورية خصوصاً والمنطقة بشكل عام.
خارج الحدود: لعبة التوازن السورية
نشر في: 15 يناير, 2010: 06:21 م