علي القيسي حذر علماء اجتماع ومتخصصون في البحوث السوسيولوجية من هيمنت منظومة القيم والاعراف البدوية على مجتمع المدينة، لما له من تدعيات خطيرة على منظومة التحضر المديني التي ستصاب من جرائه بالتدهور والانكماش بل والضمور.
 وقد لاقت نظرية "النشوز الاجتماعي" التي استحدثها الدكتور على الوردي من الرائد العربي "ابن خلدون", رواجا في الاوساط العلمية، التي بنت هي الاخرى عليها مزيدا من الاراء العلمية التجريبية. ولاينكر الجهد المضني الذي بذله الوردي في البحث العميق والتتبع الدقيق في تاريخنا القديم والحديث لتكتسب نظريته مصداقيتها العلمية، وتؤكد صحة ما ذهب اليه. من جهته لفت الاديب العراقي المغترب شوقي عبدالامير انتباه المعنيين الى خطورة ترييف المدينة، وقد اعلن دهشته وذهوله في كتابه" يوم في بغداد" حين رأى العاصمة بغداد وقد تحولت الى قرية كبيرة عبث بها العابثون بعدما تركها وهي عروس الدنيا!! لم نأتِ بجديد حتى اللحظة، اذ نظرية النشوز الاجتماعي تجاوز عمرها النصف قرن، وما ذكره الشاعر شوقي عبدالامير له مايشبهه الكثير في كتابات الادباء والكتاب الذين رثوا بغداد بدموع حاره. لكن ما كشف عنه المفتش العام في وزارة الصحة، كان المحفز لما ذكرت. فقد اعلن الدكتور عادل محسن، عن تعرض طبيب جراح الى عملية ابتزاز فاضح حين دفع مبلغ 20 مليون دينار بعد رضوخه لفصل عشائري اقامه ضده ذوو احد المرضى المتوفين، اثناء جراحة في الرأس قام بها الطبيب، ورثى مفتش الصحة حال الطبيب الذي لم تحمِه المؤسسات الحكومية المعنية. قد تكون عائلة المُتوفى محقة، اذا اثبتت لجنة طبية مختصة، ان سبب الوفاة اهمال وتقصير الطبيب. ولكنهم لم يدركوا ان بفعلتهم قد جنوا على مئات المرضى. سمعت ان طبية نسائية مارست الجراحة مدة عشرين عاما،تعرضت قبل عامين الى ذات الموقف فقررت ترك الجراحة الى الابد، مع انها من الطبيبات الماهرات ذوات السمعة الطيبة. وقد هجر مئات الجراحين البلد بسبب ذلك. فهل من قانون يحمي الناس من مخالب الاعراف العشائرية؟. يأتي هذا ايضا في وقت تم فصل الاناث عن الذكور في مدارس مدينة الصدر، وحجة القائمين على الامر، ان المدينة تتمتع بخصوصية عشائرية معينة. وبدلا من ان يسعى صاحب القرار الاداري هذا للنهوض بالواقع الصحي المزري والتربوي المتدهور في 100 مدرسة طبقت القرار في المدينة، يسعى بدعم لا محدود الى ترسيخ كل ما من شأنه ترسيخ المرارة والمرض في هذا الواقع. لذا القضية بما تنطوي عليه من خطورة تتطلب من العلماء والمعنيين مناقشة تداعيات تحول بغداد الى قرية متخلفة في غفلة منهم.!