TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صورة تذكارية مع "أبو خليل"

صورة تذكارية مع "أبو خليل"

نشر في: 6 يناير, 2016: 06:01 م

اقترنت صورة الجيش العراقي في مخيلتي بقوافل الناقلات العسكرية التي كانت تمر على الطريق العام من أمام منزلنا وهي تتجه الى جبهات الجنوب أواخر الحرب العراقية الايرانية. وبعد انقطاع دام عامين، عادت مشاهد قوافل الناقلات للظهور بشكل ملفت تبين لاحقا انها كانت قطعات الحرس الجمهوري التي غزت الكويت ذات حماقة.
الجيش الذي خرج من حربه مع إيران محتفظا بشيء من هيبته، عاد من الكويت وهو منزوع الهيبة مهاناً. يذهب الى المعارك ويعود مثقلا بالخيبة والانكسار منذ أمضى سلطان هاشم على ورقة الاستسلام في خيمة صفوان. رحل نورمان شوارتسكوف، نهاية 2012، ولا زال هاشم يتذكر هزيمته في كل عام عندما تحل ذكرى 6 كانون الثاني، وهو يتذكر بريق النجوم على كتفيه.
لم يكتف الاميركان بتقليم أظافر صدام والاطاحة به لاحقا، بل عمدوا الى تقويض الجيش، كمؤسسة عسكرية راسخة، وقرروا تقديم نموذج لطيف لجيش "لا يهش ولا ينش". تتذكرون كيف قرر أبو خليل الديمقراطي حلق شاربه، ووضع عصابة الرأس على طريقة القراصنة، واعتمر قبعة الكاو بوي، وإرتدى النظارات الشمسية، على طريقة المارينز. تحول أبو خليل الى كائن هجين وهو يرابط في شوارع بغداد والبصرة والحلة. جندي لا يقاتل لكنه يقبض جيداً.
نبتت الشوارب، وعاد الانضباط العسكري للظهور في الشوارع والساحات العامة بعد 2011، كمؤشر الى رغبة المؤسسة العسكرية العراقية لاستعادة ملامحها القديمة التي ورثتها من الجندرمة والانكشارية العثمانية. أشاهد، هذه الايام عودة الزيتوني "الصدامي"،  ويخيفني جداً انتشار المعاطف التي تذكرني بصورة علي حسن المجيد وهو يركل أحد ثوار انتفاضة 1991 قبل اقتحام الناصرية.
الشوارب الجديدة لم تمنع سقوط الموصل للأسف. فاكتشفنا إننا نملك جيشاً غارقا في الفساد، والمحسوبيات، احتفظ بعقيدة القمع، ونسي رجولة المعارك. هكذا شارك ما تبقى من جنرالات صدام بهزيمتنا أمام صبيان داعش التي يقودها صنف آخر من جنرالات البعث الذين استبدلوا الزيتوني بالرايات السوداء، والالقاب العسكرية بألقاب سلفية.أتذكر جيداً كيف كان ساسة العراق، بعد 2003، يتحدثون بجذل وسرور عن نموذج جديد من جيش "لاغراض دفاعية". ردد الجميع هذه المعزوفة الاميركية، متناسين ان الدول، بما فيها الولايات المتحدة التي احتلت العراق، تعتبر الحروب الاستباقية نوعاً من الدفاع عن المصالح. فالمصالح لا تقف عند حدود الدول، والجيوش أدوات فاعلة لتحقيقها او منع تهديدها.هكذا قاتل ابو خليل الديمقراطي بعد 2003 من دون عقيدة عسكرية واضحة. اكتفى الجيش بكونه "يعدّ اياماً ويقبض راتبا". يركب الهمر والابرامز، لكنه يواجه مشكلة في ايصال الامدادات لقطعاته في المناطق الغربية والشمالية. بقي يتفرج على جنوده وضباطه وهم ينحرون في سبايكر، والسجارية، والصقلاوية صيف 2014.
كان ابو خليل شجاعاً مقداما، جسورا، غيورا، لكنه لم يحظ بقادة على قدر المسؤولية. فبعضهم حول الجيش الى فرصة للكسب والاثراء على حساب قوت وحياة الجندي. ماذا يفعل المقاتل وهو يرى قائده يهرب أمامه، ويدنس شرفه العسكري؟ وكيف يقاتل قائد بلا عقيدة عسكرية؟!
ما فشلت به امريكا خلال ١٢ عاما، أرادت إصلاحه في ١٢ شهرا، بعد حزيران 2014. فأخذت على عاتقها تأهيل وهيكلة بعض القطاعات العسكرية لتحضيرها كقوات تحرير في الرمادي ومن بعدها الموصل. فشلت أيضا في ذلك. فالانجاز السريع في الرمادي والذي أريد له ان يسجل بإسم ابو خليل، المثخن بالانكسار، تبخر بعد يومين فقط، اثر سيطرة داعش على مقر الفرقة العاشرة في جزيرة الثرثار.
يحتفل أبو خليل بعيده الـ 95، داخل غرفة عمليات تسعى الى تقسيمه الى جيوش اثنو طائفية. يدافع ابو خليل عن بلد دخل مبكرا في غرفة عمليات تتسابق لرسم خرائط المنطقة. التقط صورتي مع ابو خليل، واتمنى ان لا تكون الاخيرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد طالب

    لطالما مجدنا و افتخرنا بجيشنا العظيم و لكن كل هذا المجد الزائف لم يمحو كون الجيش العراقي و منذ زمن ليس بقريب هو مرتهن لنزوات و تفاعلات عاطفية للقائد الضرورة و في الماضي و الحاضر و لم يدخل تحدي الا و خسره ...عظم الله اجورنا بجيشنا و ندعو الباري ان يمن ع

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram