TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الشبح الكردي مرّ من هنا!

الشبح الكردي مرّ من هنا!

نشر في: 11 يناير, 2016: 09:01 م

يبدو أنه صارت مهمة مقدسة لدى البعض في بغداد وغيرها من المدن، أن يلعن الكرد وقادتهم كلما سعل شيخ في العمارة، أو أصيب طفل بالنكاف في إحدى مدارس مدينة الثورة ببغداد، أو إذا ما  انخفض منسوب شط الهندية أو شط الحلة فلا  تعود مياهه تصل إلى المزارع والبساتين الممتدة على ضفتيهما.
الكرد وقياداتهم، كما يرى هذا البعض، هم مصدر كل الشرور المتخمة بها حياتنا .. لم يكن نظام صدام  الدكتاتوري هو هذا المصدر، ولا النظام المحاصصاتي الفاسد الحالي هو المصدر .. الكرد وقياداتهم ولا أحد غيرهم سبب كل بلوى تنزل فينا ومحنة تحيق بنا. عند زاوية كل زقاق من أزقتنا المفروشة بالأزبال والنفايات، وخلف كل عمود كهرباء لا يتدفق فيه التيار إلا ساعة واحدة أو أقل كل أربع ساعات، وعند كل وكيل حصة تموينية لا يوزع إلا حصة شهر واحد لا تصلح للاستهلاك البشري كل ثلاثة أشهر، يكمن متآمر كردي، هو السبب في هذا الجحيم الذي يشوينا شيّاً في الصيف وفي الشتاء.
آخر المؤامرات الكردية، كما يكتشف هذا البعض، "الخندق العظيم" الذي يشقّه الكرد الآن على طول حدود بعض مناطق الإقليم مع المناطق التي إحتلها داعش (ذلك الإحتلال كان هو الآخر مؤامرة كردية، ولا دخل لقيادات نوري المالكي العسكرية والأمنية به، فهي قاتلت قتال الأبطال حتى آخر رصاصة وآخر قطرة دم !).
قبل سنوات عندما بدأت السلطات في إقليم كردستان بتطبيق إجراءات أمنية بخصوص الداخلين إلى الإقليم من الوسط والجنوب، بينها تزكية مُعرّف أو كفيل، للحؤول دون دخول عناصر الإرهاب إلى الإقليم بعدما تكرر حدوث تفجيرات إرهابية والقبض على عناصر إرهابية، ضجّ أصحاب نظرية المؤامرة الكردية بأن الإجراء مؤامرة كردية لفصل الإقليم عن العراق ولإعلان الدولة الكردية المستقلة. وإذ نجحت التجربة في حماية الإقليم من الإرهاب، أخذت بها محافظات الوسط والجنوب، فلم يعد بالإمكان الآن دخول محافظة كربلاء أو النجف أو البصرة أو الناصرية وسواها من دون وجود معرّف أو كفيل. وما من شكّ في أن ما تتمتع به هذه المحافظات حالياً من أمن واستقرار يرجع الكثير من الفضل فيه إلى هذا الإجراء، أو "المؤامرة الكردية" كما كان يُنظر إليها.
أكثر من هذا أن فكرة الخندق الكردي لدفع شرّ داعش  ليست إبنة اليوم، فبعد احتلال داعش ثلث مساحة البلاد ابتداء من الموصل ووصولاً إلى مشارف العاصمة بغداد في حزيران 2014 ، أعلنت قوات البيشمركة أنها تعتزم حفر خندق خارج مدينة أربيل لوقف هجمات داعش باتجاه المدينة لاحتلالها، وقد صادفت تلك الفكرة هوى لدى محافظ بغداد علي التميمي الذي أعلن في منتصف تموز من ذلك العام ان محافظة بغداد "طلبت من قيادة عمليات بغداد تنفيذ حفر خندق حول مناطق الأطراف في العاصمة منعًا لأي تدخل سافر لعناصر تنظيم داعش وحماية أهاليها من أي تدخل إرهابي متوقع أسوةً بالخندق الذي نفذته محافظة أربيل لتأمين أسوارها"... يومها لم يتحدث أحد عن مؤامرة شيعية – صدرية (السيد التميمي من التيار الصدري) مثلاً  لفصل العاصمة.
مؤكد أن هذا الكلام لن يغيّر في موقف أصحاب المهمة "المقدسة" الذين يطاردهم الشبح الكردي الذي هم خالقوه، حتى إلى مخادعهم الزوجية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. مدحي مندلاوي

    نعم يا استاذنا العزيز ، بقي ان يقول هؤلاء ان الكرد نصبوا كمينا للامام الحسين ( ع ) في كربلاء ، وهم الذين قتلوه . ولا حول ولا قوة الا بالله !

  2. أسعد عدّو

    عشت يا أخي العزيز أنت و أمثالك .. عرب سنة من الانبار ممنوع دخوله الى مدينة من الفرات الاوسط أو حتى بغدا و الآن أكثر من 73 ألف عائلة عربية يسكنون و يتجارون و يمرحون في مدن كوردستان .. نحن أهل النسامح مع أسف سياسة عدم التسامح عند الصفويون أهلك العراق و أدخ

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram