2-5
في عمود الأسبوع الماضي تحدثت كيف أن أدباء أميركا الوسطى في العقود الماضية، حتى نهاية الثمانينات، ونهاية الحرب البادرة، كان عليهم، مثلهم مثل بقية زملائهم من قارة أميركا اللاتينية، الذهاب إلى المنفى، إذا أرادوا الكتابة بحرية.
اليوم ، وبعد أفول نجم الديكتاتوريات العسكرية، وتداول السلطة بشكل "سلمي" عن طريق الانتخابات البرلمانية، شكلياً لم تعد هناك رقابة، الكل يستطيع التعبير عن رأيه بشكل حر، لكن عملياً على الأدباء، البحث عن دور جديد لهم في الحياة اليومية في مجتمعات صحيح أنها ودعت الحروب الأهلية بأشكالها الكلاسيكية، لكن صراعاتها القديمة ما زالت تراوح في مكانها، وإن بثوب جديد. هذه المرة وقع الكتاب بين مطرقة سلطة تدعي أنها ديموقراطية جاءت عن طريق صناديق الاقتراع لكنها تهمش الثقافة والأدب، وبين سندان اليومي حيث فقدان الأمن وشيوع الجريمة والعصابات.
وذلك ما يمكن ملاحظته بشكل ملفت للنظر في بلدان ثلاثة: غواتيمالا، السلفادور ونيكاراغوا، وإن بدرجات مختلفة، فإذا كانت علاقة المثقفين بالسلطة وصلت إلى درجة القطيعة في البلدان الثلاثة، فعلى الأقل تتمتع نيكاراغوا بدرجة من الامان، لا تنافسها عليها غير كوستاريكا.
المفارقة تصبح أكثر دهشة، إذا عرفنا أن في البلدين ،السلفادور ونيكاراغوا، تحكم سلطتان محسوبتان على اليسار، في السلفادور جبهة فاراباندو مارتي التي هي تحالف يضم فصائل يسارية عديدة، فازت في الانتخابات البرلمانية مرتين، في المرة الأولى عام 2009 عن طريق مرشحها المستقل والصحفي في قناة سي أن أن ماوريسيو فونيس، الثانية عام 2014 من جديد هذه المرة بقيادة الكوماندينتة السابق سالفادور شانشيز كرين، أما في نيكاراغوا فتحكم الجبهة الساندينستينية، التي قوضت حكم الديكتاتور سوموزا، دخلت ماناغوا في 19 تموز 1979، وبقيت في السلطة حتى اخرجتها صناديق الاقتراع في انتخابات 1990، التي اعادتها للسطة من جديد بزعامة رئيس نيكاراغوا الحالي دانييل أورتيغا عام 2006 ثم 2011، في الحقيقة لا الثورة السلفادورية ولا الثورة النيكاراغواية قيض لها هذا التأثير القوي على الجماهير بدون الدور الفعال الذي لعبه فيها المثقفون. في نيكاراغوا مثلاً، ومباشرة بعد تشكيل أول حكومة ساندينسيتينة، تسلم منصب وزير الثقافة الشاعر المعروف عالمياً، القس أرنستو كاردينال، إضافة إلى الروائي سيرجيو راميريز الذي زاول منصب نائب رئيس الجمهورية من عام 1984 حتى عام 1990، عام 1994 و1995 استقال الاثنان من عضويتهما في الحركة الساندستينية واستقال معهما مثقفون آخرون، الروائية والشاعر المعروفة جيوكوندا بلي مثلاً، "احتجاجاً على انحراف الثورة الساندستينية عن مبادئها"، كما صرحوا، منذ ذلك الحين والعلاقة بين المثقفين والسلطة، هي في غير وئام، وصل الأمر قبل سنوات بأن تأمر السلطات النيكاراغوانية بمنع الشاعر ارنستو كاردينال من الحديث. من يزور نيكاراغوا اليوم، ويلتقي بكتابها، يلمس أن ليس هناك مثقف معروف من زمن الثورة يقف إلى جانب الرئيس دانييل أورتيغا، رغم مغريات السلطة، شعراء وكتاب يشتمون السلطة في مجالسهم، بعضهم يصل به الأمر إلى المبالغة في وصف النظام الحالي بأنه"أسوأ من نظام سوموزا"، كما صرح أحد الشعراء المعروفين هناك، كاتب مرموق ومعترف به في الأدب المكتوب بالإسبانية، الروائي سيرجيو راميرز، وجد نفسه مضطراً ولكي يمارس نقده للحركة الساندستينية وتنكر الرفاق القدماء لماضيهم وممارستهم ذات الأساليب التي كافحوا ضدها "الفساد والرشوة واستغلال النفوذ"، باللجوء لكتابة الرواية البوليسية، واستحداث شخصية مفتش البوليس موراليس صاحب الماضي الثوري، والضمير النظيف، الذي يطارد الفساد ويكافح الجريمة، رغم فقره الواضح وحياته المتواضعة، على عكس رفاقه القدماء الذي أثروا.
يتبع
رحلة استكشاف أدبية عبر أميركا الوسطى
[post-views]
نشر في: 12 يناير, 2016: 09:01 م