تأتي زيارة رئيس الوزراء د. حيدر العبادي للوقوف على حقيقة ما يجري في البصرة من مشاكل أمنية بخاصة، وقد بدا واضحا أن السلطات الأمنية في المحافظة عاجزة عن القيام بواجبها في التصدي للعناصر العشائرية المسلحة في مناطق شمالي البصرة، وصار بحكم اليقين أن لا أحد بمستطاعه حسم التداخل بين منتسبي الحشد الشعبي من جهة وبين مسلحي العشائر المتنازعة من جهة أخرى. فالعشائر تستقوي بما لديها من عناصر في الحشد، مثلما يستقوي الحشد بما لديه بين أبناء العشائر من المتطوعين.
وإذا كان السيد العبادي وحكومة البصرة جادين في نزع فتيل الأزمة، فالقضية أبعد من ملاحقة مسلحين من عشيرتين متنازعتين، وإذا لم يجرؤ احدٌ على السؤال التقليدي، الذي يقول : ترى، لماذا تتمركز النزعات العشائرية المسلحة في منطقة شمالي البصرة دون غيرها من المناطق؟ نقول للسيد العبادي: بان نسبة كبيرة من سكان المناطق تلك، هم من النازحين للبصرة، من الاهوار ومحافظة العمارة، تحديداً، وقد أصبحوا يضايقون سكان القرى والقصبات تلك، سكنوا بعشوائيات خارج عين الدولة وزاحموا السكان في أراضيهم وأعمالهم، والحكومة غير قادرة على تأمين متطلبات العيش لهم، وما النزاعات التي تحدث هناك إلا نتيجة طبيعية لمعاناة مشتركة بين المتنازعين، ليس آخرها الماء والكهرباء والتعليم والامن فضلاً عن السبب الرئيس، وهو الطبيعة النفسية والاجتماعية المتباينة بين أولئك وهؤلاء.
ولأن حكومة البصرة منشغلة بخلافاتها وسوء إدارتها لشؤون مواطنيها، فقد باتت المدينة متاحة لسكن الخارجين على القانون، في المحافظات الشمالية ومن سكان الاهوار وكل من لا يجد سكنا وعملاً وامنا خارج البصرة، ونتيجة لذلك فقد اشتغل هؤلاء بمختلف المهن، المسموح بها وغير المسموح، فنشطت تجارة تهريب الأسلحة وبيعها بين رجال العشائر، واتسعت الانشطة الى خارج الحدود مع إيران حتى باتت المدينة الممول والممر الأول للحشيشة وأنواع المخدرات في العراق، ومنه الى دول الخليج وغيرها، وقد تفنن رجال العصابات في الطرق والتعامل مع السلطات الأمنية، التي لم تتمكن من السيطرة على الاوضاع هذه.
حكومة البصرة ذات التركيبة الاسلامية، ظلت تعتقد بان تأمين الحياة أمنياً إنما يتم من خلال إتاحة العيش وتبسيطها للناس، دونما سيطرة استخباراتية وملاحقة مخابراتية ، دونما ملفات شخصية وسرية لكل من يقع تحت دائرة الشك والريبة في سلوكه، وهكذا ظلت تتعامل مع أزماتها بما يوحي لهؤلاء بالضعف وعدم المقدرة على الملاحقة والتتبع، ثم أن القضاء العاجز عن اتخاذ ما يتوجب من قرارات زاد الأمر تعقيداً. وهكذا صار العنصر الأمني محط تندر ومن ثم اختراق رجال العصابات من جهة، وسخرية المواطن البسيط المغلوب من جهة أخرى. لذا على رئيس الوزراء مطالبة السلطات الأمنية في البصرة بفتح ملفات أمنية عن كل نازح للبصرة منذ العام 2003 الى اليوم، ثم العمل على ايقاف الهجرات العشائرية التي لم تتوقف إلى اليوم.
يبقى فك لغز التداخل بين مسلحي الحشد ورجال العشائر ومنع وتحريم المظاهر المسلحة في البصرة وتجريم شيوخ العشائر التي تحمل السلاح ضد بعضها في خلافاتها من أهم الخطى التي يتوجب على العبادي معالجتها، وسيكون استقدام أفواج مسلحة من خارج البصرة الخطة الأكثر حظاً في استتباب الأمن، ذلك لأن الشرطي مرعوب من واجبه، إن لم يكن غير قادر على القيام به بصورة صحيحة، لأنه لن يقوم بفعل أمني حازم ضد أي فرد من أفراد عشيرته، ممن يقومون بحيازة أسلحة مثلا، هذا إذا سلمنا بانه لن يخبر أبناء عشيرته بموعد مهاجمة السلطات لمنازلهم، مثلما حدث قبل اسبوع من مداهمة المنازل في ناحية الكرمة، حيث خرج الرجال، كل الرجال، ولم يبق في البيوت إلا النساء، كما لاحظنا في وسائل الإعلام.
هل يُصلح العبادي ما أفسدته حكومة البصرة ؟
[post-views]
نشر في: 12 يناير, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...