TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خارج صندوق الكتل

خارج صندوق الكتل

نشر في: 13 يناير, 2016: 09:01 م

ينشغل برلماننا وكتله السياسية، منذ أكثر من عام، بالدوران في حلقة مفرغة اسمها "التوافقات السياسية". والأغرب أن كل هذه الاطراف تُصر، بعناد فريد، على البقاء داخل هذه الدوامة رغم المستجدات الأمنية والسياسية التي تزامنت مع أسوأ أزمة مالية يشهدها العراق منذ حقبة التسعينيات.
فقد ألزمت الكتل السياسية نفسها بسلسلة من الاتفاقات التي لم تتزحزح أبداً عن سلم أولوياتها، حتى مع إلحاح بعض الملفات الساخنة كالحرب مع داعش، وتفاقم معاناة النازحين، وتوتر علاقاتنا مع الجوار المتربص والمتفرج على أوضاعنا.
أحدى هذه الالتزامات، التي ينشغل الطيف السياسي بالتفاوض حولها منذ عقد من الزمان، هي المصالحة الوطنية. فقد أنفقت الكتل وقتاً طويلاً للحديث عن ضرورة المصالحة، وأهميتها، ولم يتخلف أي حزب او كتلة عن إطلاق المبادرات والأوراق وعقد المؤتمرات التي تدور حول المصالحة ومشتقاتها، لكنها بقيت حبراً على ورق بعد أن أطل شيطان التفاصيل برأسه.
ورغم الفشل المتكرر لمشاريع المصالحة، وإخفاقها بالتحول الى واقع اجتماعي، فإن الكتل البرلمانية تصرّ على ربط أيّ تقدم سياسي او أمني بهذا المشروع الغامض على مستوى العناوين والتفاصيل. والنتيجة أن وزارات وهيئات حكومية تخفق مذ ذاك بكسر هذه الدوامة التي تُطبق على العملية السياسية، وتمنع من انتقال البلاد الى استحقاقات التنمية والتحول الديمقراطي.
مازالت الاطراف السياسية تناقش، خلال اجتماعاتها المشتركة، قوائم المطالب ذاتها التي تتبادلها منذ عقد من الزمان. تتقدم المصالحة الوطنية أو يتأخر اجتثاث البعث، حسب أولوية كل دورة برلمانية.
لم تجرؤ الكتل، حتى هذه اللحظة، على الخروج من صندوق الافكار التقليدية، واجتراح حلول خلّاقة لتحقيق "برامجها السياسية"، إن كان ثمة برامج طبعا!. وبدلاً من الركون الى الجمود السياسي، عندما يفشل التقدم في ملفات المصالحة الوطنية والحرس الوطني وغيرها، كان على الاطراف السياسية السعي لتحقيق مقاصد هذه الملفات دون التوقف عند العناوين الاشكالية والمستهلكة.
فإذا كانت المصالحة الوطنية تهدف الى ترسيخ صيغ التعايش وحماية النسيج المتنوع، ومواجهة أي مظهر من مظاهر التقسيم والتأزيم الاجتماعي والسياسي، فان هذا الهدف مازال متاحاً عبر تشريع سلسلة قوانين تفضي بالمحصلة الى تحقيق المصالحة، ولكن بأدوات ناعمة تجعلها قابلة للتمرير بعيداً عن المعارك السياسية.
وبدلاً من الإصرار على إعادة ضباط ومسؤولي النظام السابق، وفتح الباب أمام البعث للمشاركة في الحياة السياسية، كان بالإمكان اللجوء الى تشريعات او توافقات سياسية تلزم الجميع بإبعاد دوائر الدولة عن المحاصصة، واعتماد الكفاءة والمهنية كمعايير وحيدة للتوظيف والمشاركة في ادارة الدولة.
من شأن قوانين ضامنة لتكافؤ فرص التعيين والخدمة في المؤسسات العامة، أن تمنع احتكار السلطة وتكوين اقطاعيات سياسية وحزبية داخل دوائر الدولة كما هو الحال الآن.
وبدل الاصرار على "المصالحة الوطنية" كعنوان صارم غير قابل للمرونة، كان بإمكان الكتل السياسية السعي الى تشريع قوانين تمنع التحريض الاثنو طائفي، وتجرم خطاب الكراهية تحت أي مسمى، وفرض عقوبات حازمة على من يتعدى هذه الخطوط الحمر. كان بالإمكان أيضا تقييد نشاط البرلمانيين الذين تحولت تصريحاتهم وإطلالاتهم اليومية الى وقود دائم لتأجيج الأزمات وتبديد فرص السلام التي نسعى خلفها منذ الاطاحة بالدكتاتورية.
للأسف فان جزءاً كبيراً من أزمات العراق يكمن بإصرار كتله السياسية على تجريب وصفات أثبتت فشلها أو إستحالتها. والنتيجة واحدة، وهي أننا نواصل النوم في عسل المصالحة، والتوافقات البالية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram