عطايا الفن كثيرة ومنح الأبداع لا تنتهي عند عصر أو زمن معين، وسيظل نهر الفن جارياً ينعكس على سطحه ضوء روح العباقرة وما تركوه لنا من جمال، وسنظل نراقب هذا النهر كل وقت وهو يحمل لنا بين موجاته مراكب مليئة برائحة زكية، هي عطر الفن وروحه التي لا تتوقف، حيث تسير بموازاة حياتنا دائماً.
واحدة من عطايا الفن هي أن تركب القطار الذاهب باتجاه معرض فريد ونادر بكل معنى الكلمة، أنه المعرض الذي يجمع لوحات أدوارد مونك (1863-1944) وفنسنت فان خوخ (1853-1890) والذي يقام في متحف فان خوخ في أمستردام. هنا تشاهد 75 لوحة و30 رسماً على الورق إضافة الى مجموعة من أعمال بعض الفنانين الآخرين الذين ارتبطت أعمالهم بهذين العبقريين، وهو يعتبر أول معرض يجمع بين هذين الفنانين، حيث جُمعت الأعمال من متحف مونك في أوسلو ومتحف فان خوخ في أمستردام. عاش هذان الفنانان حياة مضطربة وصعبة وكانا يحملان عاطفة قوية وواضحة . وقد قارن النقاد كثيراً بينهما، وكذلك حاولوا أن يجدوا بعض المقاربات التي تبيّن وتشير الى الاضطراب الذي لف حياة كل منهما. فنسنت، ومن خلال حياته القصيرة لم يسمح للهب الفن أن ينطفئ من فرشاته وقد استهلك روحه وكل حياته من أجل فنه. وإدوارد الذي تجاوز خلال حياته الطويلة محنا وانتكاسات عائلته وكآبة محيطه ليرسم كل ذلك في لوحات تعبيرية غمسها أيضاً برمزية تعكس القلق الذي كان يعيش فيه.
المعرض يلقي نظرة فاحصة على الخطوات التي انطلق منها الفنانان والتأثيرات التي تعرضا لها وكذلك تطور أسلوب وتقنية كل منهما، والأهداف الفنية التي وضعاها لتسير وفقها خطواتهما الفنية. كذلك أجاب المعرض عن التساؤلات التي تقارن بينهما دائماً، وخاصة ضربات الفرشاة الجريئة والتكوينات غير التقليدية لديهما. نرى خلال المعرض كيف ترك فان غوخ تناغم الانطباعيين واستخدم اللون الخام بطريقة تعبيرية جريئة، وخاصة اللون الأصفر الذي عكس من خلاله حرارة الشمس في جنوب فرنسا، وأراده أيضاً كتعبير رمزي لـ (البيت الأصفر) الذي عاش فيه. ومونش وهو يرسم وجوهاً غارقة في الحزن، تحيطها أجواء مشحونة عاطفياً ومليئة بالقلق، وقد اختصر كل ذلك في عمله العبقري (غرفة الموت).
نجح الفنانان بشكل مبكر وغير مسبوق في تاريخ الرسم في ايجاد التعبير الشامل والمباشر لحياة الأنسان. فأعمال مثل: شارع لافاييت، الفتاة المريضة، الصرخة وضوء القمر لمونك ، تؤكد القرابة التي جمعتها بتفاصيل عميقة وجوهرية مع أعمال فان غوخ: ليلة مليئة بالنجوم، الدكتور جاشيه، آكلوا البطاطس وغرفة الفنان وغيرها الكثير. من الأعمال النادرة التي عرضت في هذا المعرض، مجموعة (أفريز الحياة) لمونك وهي مجموعة مدهشة في الحفر على الخشب. نرى من خلال هذه الأعمال كيف سارت التعبيرية في أولى خطواتها قبل 120 سنة تقريباً لتؤثر بعدها عل أجيال من الفنانين في كل بقاع العالم. وقد عرضت ضمن هذه المجموعة أعماله الشهيرة: الصرخة ومادونا والقبلة ومصاصة الدماء ورقصة الحياة إضافة الى أعمال مهمة أخرى.
يشير النقاد ومؤرخو الفن دائماً الى أن إدوارد وفنسنت لم يلتقيا أبداً رغم أ نهما قد عاشا في زمن واحد، لكنهم يؤكدون على أن مونك كان قد شاهد أثناء زيارته لباريس في ثمانينات القرن التاسع عشر بضع لوحات لفان غوخ حين كان هذا الأخير يحاول أن يرسم عكس التيار الذي سار فيه الانطباعيون أو حتى مابعد الانطباعيين. بعيداً عن كل هذا, فمن المؤكد أن فان خوخ قد سبق مونك في أيجاد الطريق المناسب والمؤدي الى التعبيرية، والتي دفعها مونك فيما بعد الى أقصاها وقد تأثر به جماعة الجسر وتبنوا تقنياته التي أدَّت الى ظهور ما سمي بالتعبيرية الألمانية بداية القرن العشرين.
رقصة الحياة
[post-views]
نشر في: 15 يناير, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...