وارد بدر السالم المد الإعلامي الكبير الذي تشهده الساحة الإعلامية العراقية، من صحافة وفضائيات واذاعات، له ما يبره مبدئياً؛ فهو يؤشر حقبة جديدة من الحرية المفتوحة وساحة فسيحة للرأي والرأي الآخر، وبالتالي فهو عين كبيرة تبصر الوطن من الجوانب كلها، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وما يتعلق بها من هوامش تفصيلية مختلفة تكون في مرمى تلك العين؛ ما خفي منها وما بطُن.
وهذا هو الدور الرقابي بمعناه الشامل الذي تتمحور حوله الكثير من المعطيات السياسية والاجتماعية وتقويم أداءاتها الوظيفية والحكومية والرسمية وكل مشتقاتها اليومية الفاعلة.. قيل ان الصحافة هي السلطة الرابعة؛ وهنا نود التعميم ونقول ان الإعلام بشموليته هو السلطة الرابعة، فالصحافة تشير الى منجز ورقي، فيما الإعلام يشير الى المرئي والمسموع. وهذه التسميات تتكاتف سعياً وراء بلوغ أهدافها الرقابية والتقويمية بالشكل الإيجابي الذي يضمن استمراريتها في دورها الهادف الى إرساء أكثر القيم نبلاً ومضاءً في الحياة العامة.. في التجربة الإعلامية العراقية الجديدة هناك ما يتوجب تأشيره بالروحية الهادفة ذاتها التي تتوخى البناء والعطاء، فإعلامنا العراقي بمختلف توجهاته الحزبية والسياسية والإيديولوجية؛ وهو الخارج من سلطة الماضي السوداء وأحاديتها، تنوع في مشهديته وعطاءاته، ولم يصل الاحتراف بعد بسبب حداثة تجربته وخضوعه الى سلطات عديدة، كسلطة المال وسلطة الحزب وسلطة السياسة وسلطة الحكومة. فالصحافة الورقية يخضع أغلبها الأعم الى مثل هذه السلطات، ولا تختلف عنها المرئيات والمسموعات الى حد كبير؛ لذلك صار المشهد الاعلامي مختلطاً ومختلفاً؛ وقد يرى البعض أن هذا من سمات الحياة الديموقراطية الجديدة بأن يكون الاختلاف مطلوباً، وهذا صحيح أيضاً، لكن الاختلاف الذي يكون لمجرد الاختلاف سيثمر نتائج عكسية؛ فيشيع الاعلام الأصفر، ومنه الصحافة الصفراء، والقنوات الصفر والإذاعات الصفر، وهذا يُنتج بدوره واقعاً اعلامياً غير موثوق به من قبل الشارع، ويخلط الحقائق بالأكاذيب، ويوهم الكثيرين بمسارات سياسية أو اجتماعية معينة غير واقعية، لغايات ليس من الصعب اثباتها.. التجربة الاعلامية العراقية الجديدة لم تخلُ من هذا النوع الإعلامي الأصفر الذي يفتقد المهنية والمصداقية، ليوتّر شرائح مجتمعية كبيرة في خلطه الحقائق والمواقف، ولنا في الفضائيات أمثلة متنوعة في تبنيها فكرة تيئيس المجتمع، ومثلها في الصحافة الورقية التي تستهين كثيراً بالتجربة السياسية ومتقاطعاتها الأخرى،عندما تلجأ الى أساليب تشهيرية تفتقد المهنية والأخلاقيات العامة، والأمثلة وافية وموجودة يومياً على أكشاك بيع الصحف، والتي نفر القارىء منها والتجأ الى ما يغذي فيه روح الوطنية وحب المجتمع والانتماء الى حاضنة الوطن. الإعلام الأصفر المنتشر في الساحة الاعلامية لا يتفوق على الاعلام المهني المتضامن مع الحياة العراقية بخيرها وشرها، لأنه اعلام مرحلي، مادي، مدفوع الأجر،. له غايات مستترة في تهيئة الأجواء الاجتماعية والسياسية لمقاصد مفهومة.حتى أدرك العراقيون بالفطنة والتجربة والمراس أن هذا الاعلام التخريبي تقف وراءه اصابع فاسدة وربما عقول خارجية ومخططون لهم باع في تشويه المجتمع للإجهاز عليه وقتل الممارسة الوطنية فيه؛ وهذا النوع الاعلامي الناشط جدا؛ بدعوى الحرية؛ أخطر أنواع الإعلام الذي اكتسح المشهد اليومي في العراق، وتبارى في تشتيت الحقائق وإشاعة اللون الرمادي في عموم المرافق السياسية والاجتماعية... مد اعلامي واسع النطاق من داخل العراق وخارجه بمسميات عراقية ورموز محلية واسماء لا صلة لها بالواقع الاعلامي تعتاش على خراب الوطن بذرائع شتى وتبريرات لا أصل لها في الواقع كثيراً.......
توقيع: الإعــلام الأصـفر
نشر في: 16 يناير, 2010: 05:22 م