"صندوق امين البصرة  صبري افندي" ، الذي ورد في اغنية الراحلة سليمة مراد ربما  كان في زمنه شخصية  معروفة  تتمتع بحضور اجتماعي لامانته في اداء  وظيفته ،  فنالت اعجاب وثناء شاعر الاغنية ، على الرغم من وجود آلاف الافندية  وقتذاك .
تاسيس الدولة العراقية مطلع عشرينات القرن الماضي استند الى  خبرات محلية لتولي المسؤوليات في العديد من الوزارات ، كان المعيار الحقيقي  لاختيار الشخصية المناسبة لشغل المنصب يرتبط بالشهادة  والكفاءة والخبرة مع  النزاهة والامانة ، سادت هذه القاعدة لسنوات مع وجود استثناءات  تمنح  للباشوات واصحاب النفوذ سواء أكانوا شخصيات سياسية ام عشائرية ، قريبة من صانع القرار . في  عهد النظام الملكي يمكن القول ان شعار "الرجل المناسب في المكان المناسب"  طبق بنسبة معقولة جعلت  الاداء الاداري يسير بموجب ضوابط على وفق القانون فاحتفظت الدولة بهيبتها  وحمل موظفوها لقب الافندية عن جدارة .
في عهد النظام الجمهوري حمل العسكريون حقائب وزارية  وتعاملوا مع موظفيهم  بأعراف العسكر ، فأزاحوا الافندية من مواقعهم ، وحل بدلا عنهم اشخاص يحملون تزكية حزبية سرعان ما ابعدوا من مواقعهم  نتيجة بروز صراع سياسي للسيطرة على السلطة  على حساب بناء الدولة .
صبري افندي وجيله من الموظفين السابقين رحلوا الى العالم الاخر ،  لكنهم تركوا بصمة ارختها صور ووثائق تثير الاسى لمن  يطلع عليها من الجيل الجديد ، يندهش ويبدي استغرابه  حين يعلم بان الدينار العراقي كان يعادل ثلاثة دولارات ، حين كان صندوق امين البصرة وغيره يديرون المؤسسات الحكومية.
 بغياب الافندية  الرجال المخلصين على اداء واجباتهم  الرسمية ،من دون الخضوع لضغوط جهات سياسية وشخصيات متنفذة ، حصل  تحول  في الاداء الحكومي ،رافقه انحطاط خطير تمثل باستشراء المحسوبية والمنسوبية ، ثم  اتفاق اشباه رجال الدول على تقاسم الحقائب الوزارية  بموجب وصفة الاستحقاق الانتخابي ، فانعكست النتائج بارتفاع نسبة الفقر في العراق الى اكثر من عشرين بالمئة مقارنة بسنوات سابقة . في ضوء ذلك شكلت الامانة العامة لمجلس الوزراء لجنة مراجعة واصلاح نظام البطاقة التموينية  بناء على طلب من وزارة التجارة للحد من ظاهرة الفساد في عقود استيراد المواد الغذائية ، تبدأ من التاجر الى ناقلي البضائع وتنتهي بوكيل التوزيع.
 المسؤولون في وزارة التجارة ربما استمعوا الى  اغنية الراحلة سليمة مراد حين ذكرت صبري صندوق امين البصرة ، فقرروا بعد اكثر من عشر سنوات على سرقة قوت الشعب واعادة النظر بنظام البطاقة التموينية  لعلهم يستيطعون  تشخيص المفسدين  ثم احالتهم الى القضاء بعد موافقة اللجان الاقتصادية في الاحزاب الدينية المشاركة في الحكومة الحالية .
 صحوة وزارة التجارة  متأخرة جدا  فهي لاتستطيع اقناع العراقيين  بجودة "طحين الحصة"  لانها تتجاهل الاشارة الى استبداله بانواع  رديئة في اسواق جميلة ،  العملية يقف وراءها افندية كبار احتلوا موقع  المرحوم صبري افندي بتزكية من حزب "هذا من فضل ربي" .