الحاجة إلى ورش عمل صغيرة في مختلف مجالات الإبداع الأدبي والفني أهم بكثير وأكثـر جدوى من المهرجانات والمؤتمرات الكبيرة.تشخيص مشكلات هذه المجالات وآفاق تطورها وفرص تقدمها هي اجراءات تتطلب عملاً دقيقاً من منظور مؤرخين ونقاد ومنظرين وباحثين. وكل هؤلاء يس
الحاجة إلى ورش عمل صغيرة في مختلف مجالات الإبداع الأدبي والفني أهم بكثير وأكثـر جدوى من المهرجانات والمؤتمرات الكبيرة.
تشخيص مشكلات هذه المجالات وآفاق تطورها وفرص تقدمها هي اجراءات تتطلب عملاً دقيقاً من منظور مؤرخين ونقاد ومنظرين وباحثين. وكل هؤلاء يستقيم عملهم ويكون منتجاً كلما أتيحت لهم مناسبات لعمل جماعي حقيقي، وليس من عمل مشترك حقيقي من دون تكوّن فرق وورش عمل وسمنرات محدودة العدد إنما منتقاة بدقة وبأمانة علمية وليس بروح نقابية تراعي الإرضاء. التجمعات الكبيرة، في جانب كبير، مضيعة للجهود وللوقت والمال، التجمعات في أفضل نتائجها هي مناسبات اجتماعية (لاحظ الأصل الواحد للكلمتين: تجمعات/اجتماعية) أكثـر من كونها إبداعية.
عملياً لا تقدم المهرجانات والمؤتمرات أيَّ شيء يساعد أديباً أو كاتباً أو فناناً في مجال إبداعه، مثل هذه المهرجانات هي التي تحتاج إلى ما يساعدها من إبداع لتكتسب قيمة تحتاج إليها. الإبداع جهد فردي، وما لم تعقه الفعاليات الجماعية فهي لا تغنيه بشيء.
هذا صحيح، ولكننا اعتدنا المؤتمرات والمهرجانات الكبيرة، ومثلما هي ليست ضرورية إبداعيا فهي أيضا ليست منقصة. إنها مطلوبة، سواء في ثقافتنا أو في اية ثقافة في العالم، من حيث هي تشبع حاجةً ما في نفوس شعراء وأدباء وفنانين مختلفين حتى وإن كانت هذه الحاجة غير إبداعية، حتى وإن كانت حاجة للّقاء وتبادل المعرفة والخبرات، وحتى لو كانت مجرد حاجة للترويح السياحي. هذه حاجات إنسانية يحتاج إليها بعض المبدعين وقد تترك اثراً ما في ما يبدعون، وهو أثر عرضي وليس أساسياً..
الشعر الشعبي يتطلب مثل هذه المهرجانات، وتتطلبه السينما والمسرح، وقد يتطلبه بعض شعر العربية الفصحى، إضافة إلى حاجات أخرى لشعراء وأدباء وكتّاب وفنانين في مختلف المجالات تجد أكثر من مبرر وتسويغ للمهرجانات والمؤتمرات الكبيرة.
لا يستطيع أي مهرجان أو مؤتمر، مهما كان كبيراً ومهما توفر له من دعم وامكانات، أن يستوعب الجميع من ذوي الاختصاص. لكن قبل هذا يجب توقُّع أن ليس في وارد اهتمام كثير من الشعراء والكتاب والأدباء والفنانين أن يكونوا حاضرين في أي مهرجان أو في أي مؤتمر.
في ثقافات أخرى قد يشعر أديب أو فنان ما بالألم حين لا تجري دعوته لمهرجان يعتقد بأهمية وجوده فيه، لكن شيئاً من العزة بالنفس أو شيئاً ما من عدم الثقة بقدرة المنظمين على الانتباه له لهذا السبب وذاك يدفعانه ليس إلى الإعلان الصريح عن الاحتجاج والغضب وإنما إلى تجاهل هذا (التجاهل) أو انتظار فرصة أخرى تستقيم فيها الأمور وينال معها فرصة الحضور في دورة مقبلة، سوى هذا وذاك فإن للأدباء والفنانين من الغنى وتعدد الخيارات ما يجعلهم زاهدين بفرصة تزهد قيمتهم.
وحين يجد هؤلاء الأدباء والفنانون أن مهرجانا ما لا يدعى له سوى ذوي المواهب المتواضعة أو غير الموهوبين فهو اساساً سيمتنع عن قبول المشاركة فيه ولا ينشغل بأي حال بالتفكير عن مبرر عدم دعوته.
في مثل حياتنا الثقافية العربية على المتصدّين لتنظيم الهرجانات أو المؤتمرات توقع الكثير من عدم الرضا وقبول الكثير من النقد ومن الشتيمة على حد سواء.. وعلى مَن كبُرَ من المبدعين أن يتعفف وأن يترك فرصاً جديدة كان قد شبع منها إلى آخرين هم أحوج إليها.
كم نحتاج إلى أن نكون أكثر قرباً من ذواتنا وأشد نأيا عن العالم. ليس في الأعمار متسع.