هذا التقرير لا يثير الشعور بالأسى والأسف وحسب، بل إنه يهيّج المواجع ويبعث على الإحساس بالمرارة وخيبة الأمل حيال تجربة تطلّعنا – ووُعِدنا أيضاً – بأن تكون قدوة تُقتدى وإنموذجاً يُحتذى في الممارسة السياسية الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة على صعيد العراق كلّه، انطلاقاً من إقليم كردستان المتحرر من دكتاتورية صدام حسين قبل 12 سنة من سقوطها وتحرّر العراق منها ووقوعه في براثن دكتاتورية جديدة، هي دكتاتورية الإسلام السياسي .
التقرير هو التقرير السنوي لمركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحافيين (في إقليم كردستان العراق) الصادر للتوّ والذي أحصى 84 اعتداءً على الإعلاميين ومؤسساتهم في العام المنصرم وحده، اثنان أو ثلاثة منها فقط ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي والبقية كانت من صنيع مؤسسات حكومية وحزبية في الإقليم!
الاعتداءات المرصودة في التقرير شملت تجاوزات مادية مباشرة على إعلاميين ومؤسسات إعلامية، وانتهاكات للحقوق المهنية لبعض هؤلاء الإعلاميين حتى داخل مؤسساتهم، وتعديات على حرية التعبير المكفولة في الدستور والقوانين السارية.
الاحتجاز عند نقاط التفتيش والاعتقال والاستدعاء الى مكاتب أجهزة الأمن والتهديد المباشر أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنع من أداء العمل في الميدان ومصادرة أدوات العمل ومنع توزيع الصحف والمجلات واقتحام مؤسسات إعلامية عنوة وغلق البعض منها والتمييز في التعامل مع الصحفيين ومؤسساتهم من جانب أعضاء في الحكومة والبرلمان وسائر كبار المسؤولين وانتقاص مؤسسات إعلامية من حقوق الصحفيين وغمطها وعدم تعويضهم عن خدمتهم .. هذه في المجمل أنواع الاعتداءات والانتهاكات التي رصدها تقرير مركز ميترو الذي أعرفه عن قرب وأعرف المسؤولين عنه والعاملين فيه شخصياً وأعرف الطريقة المهنية التي يعملون على وفقها، ما لا يثير لديّ أدنى شك في صدقية المعلومات التي يعرضونها في تقريرهم هذا.
فضلاً عن تجاوزها على أحكام الدستور وقوانين الدولة العراقية، والإقليم جزء من هذه الدولة، وعلى أحكام الوثائق الدولية التي وقعت عليها الحكومات العراقية المتعاقبة وصارت مُلزمة للدولة العراقية، فإن هذه الاعتداءات والانتهاكات إنما تناهض تطلعات الكرد وسائر العراقيين بقومياتهم المتعددة لإقامة نظام ديمقراطي في الإقليم وفي عموم العراق، فمن لوازم الديمقراطية حرية التعبير، وحرية الإعلام هي قلب حرية التعبير.
من دون إعلام حر لا يمكن تحقيق الديمقراطية ولا إنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولا تعزيز السلم الاهلي. هذا ما يتعيّن أن يدركه كل مسؤول حكومي وحزبي في اربيل والسليمانية كما في بغداد وسائر مدن العراق، فمن يريد الديمقراطية والتنمية والسلم الأهلي لا مناص له من الإذعان لمتطلباتها كاملة دون نقصان، ومن يشاء غير ذلك عليه أن يعلن ذلك صراحة.
وبالنسبة للقيادات الكردية لابدّ لها من الإدراك بأن الطموحات الخاصة بالكرد، إن لجهة تعزيز الفيدرالية الحالية وتطويرها الى كونفدرالية، أو لجهة تحقيق حلم الإستقلال وإقامة الدولة الكردية ذات السيادة، غدا من غير الممكن تحويلها إلى واقع من دون نظام ديمقراطي من مرتكزاته الأساس الإعلام الحر.
إلى ما قبل سنوات قليلة كنّا نعيّر حكامنا (في بغداد) بأنهم فشلوا في اقتفاء أثر القيادة الكردية وتحقيق منجزات سياسية وتنموية ملموسة جلبت قدراً معتبراً من الأمن والاستقرار والرخاء للكرد وشركائهم في الإقليم.. الآن لم يعد في وسعنا فعل ذلك، لأن الإقليم ينحدر تدريجياً إلى الهوّة التي استقرّ فيها حكام بغداد... وتقرير مركز ميترو يقدّم برهاناً آخر على ذلك.
مركز ميترو على حق
[post-views]
نشر في: 18 يناير, 2016: 09:01 م