عندما يكون الحب هو ما يعتقنا من الوحدة، وما يجعل الحياة محتملة، فكيف اذا كان عدم الظفر به –اي الحب- هو ما يمسخنا الى حيوانات.. الحب والآخر الذي نأنس له حتى اذا كان بقواعد لاتحتمل، او اختيار الحيوان الذي نكونه... معادلة بهذا الوضوح وبهذه الغرائب هي التي تشكل آدميتنا.. رحلة البحث عن الحب، او السعي اليه، والهروب من الوحدة القاتلة احيانا، التي يفترضها المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس في فيلمه (the lobstor) الحائز على جائزة لجنة التحكيم في كان 2015 .
الفيلم يقيم (الديستوبيا) في تصور مستقبل معتم لمجتمع يقوم بالعزل على اساس العاطفة، الحب، الوحدة، غرائبية محسوبة وسريالية مفهومة من جهة رسم الواقع ليبدو مفهوما على ما يحمله من تشوهات. فبين المشهد الاول لامرأة تنزل من سيارة وتطلق النار على حمير الى المشهد الاخير حيث الرجل وهو يترك حبيبته تنتظر في ركن من المقهى للذهاب الى (التواليت) وهو يحمل سكينا، كان قد طلبها من عامل المقهى، ينسج المخرج احداثه التي تحيلك الى ديستوبيا جورج ارويل او الى غرائبية كافكا.
المكان غير محدد، مدينة وغابة وفندق يطل على البحر وكأنه يرسم اطار الحكاية بسرياليتها وغرابة احداثها.
دافيد (كولين فاريل) يعاني الوحدة نتيجة هجر زوجته له، ندخل معه الى الفندق بصحبة اخيه الذي عايش التجربة وتحول الى كلب!، لنتعرف على شروط هذا المكان الذي يؤوي من يبحثون عن شريك والذي تقضي الشروط فيه ان يمنح 45 يوما ليجد هذا الشريك، وبخلافه سيتحول الى حيوان يختاره هو.. أمام موظفة الاستقبال نعرف ان الحيوان الذي يريد دافيد ان يكونه هو جراد البحر.. لتسأله بدورها عن السبب في اختياره رغم ان اكثر رواد الفندق يختارون الكلب يقول : لأنه معمر ويعيش 100 عام وذو طاقة جنسية هائلة ودمه ازرق كالنبلاء.
نتعرف على شروط هذا المكان الغريبة والقاسية التي يتكيف معها دافيد حتى في شرط التماثل مع الشريك في ان تجمعهما صفة او اكثر، كالرعاف، والعرج لكي يظفر به في النهاية.. يختار دافيد اكثر النساء غرابة وجمودا ينافقها لدرجة انه يبدو غير مهتم لقتلها اخيه (الكلب) بطريقة بشعة.
مكان اخر بجوار هذا الفندق هو الغابة، حيث يستوطن (المتمردون) الذين لهم شروطهم التي تتقاطع بالظاهر مع عالم الفندق لكنها لا تختلف بأسلوبها ، يصل الاختلاف الى حد قتالهم .. وبينما يدخل الفندق ليظفر بشريك او يمسخ حيوانا، فإن الغابة لا تؤمن بالحب او إقامة علاقة سوية.. قواعد الفندق الصارمة تحرق اليد التي تمارس الاستمناء وهي نفسها التي تجرح الفم الذي يمارس التقبيل.
يجد دافيد وهو يحاول الهروب من صرامة قواعد الفندق، وشروطه، ليصطدم بواقع الغابة وفردانية من يعيشون داخلها.. ويحاول ان يجد نفسه الضائعة بعد ان عجز على التكيف بين قوانين الغابة او شروط الفندق.
من هذا المكان الذي يشبه معسكرا بصرامة قوانينه وإحساس نزلائه بالمراقبة،ـ تنشأ قصة حب، صعبة ان صحت التسمية، حب غير مصنوع كما على طريقة الفندق، ولا ينشأ من تماثل سطحي بين الاثنين مثلما تقول شروط الفندق بل حب يجتاحنا دون موعد.
يقع ديفيد في حب امرأة (راتشيل فايز) نتعرف في البداية على صوتها كونها الراوية تحكي قصة ديفيد حتى وصوله الى الغابة للالتحاق بمتمرديها، لتقع عينه على فتاة بينما يقول صوتها :"المرة الاولى التي التقيتها فيه."
هذا الحب يقاوم تعاليم الفندق وشرط الغابة لكن ليس بلا ثمن.. حيث تقوم قائدة متمردي الغابة بإطفاء نظر المرأة.. ولكن ذلك لم يمنع التحدي.. تحدي الحب على تجاوز المستحيل.
خيالية الحكاية لا تمنع من واقعية التفاصيل.. فنحن ايضا نجد الحب هو الخلاص وتحمل وزر المعاناة هربا من الوحدة.. ألم نقل إنه فيلم سريالي بإطاره ولكنه أشد واقعية ؟
ديستوبيا يونانية
نشر في: 20 يناير, 2016: 09:01 م










