ليست مزحة ولا سوء تقدير، فكل ما يجري حولنا من حفلة جنون كبرى تؤشر الى هذا المصير المحزن الذي يهدد بتشظي المنطقة وتفتيت مكوناتها الراسخة في القدم.
هذا الاستشراف يستبعد فرضية المؤامرة، رغم انها قائمة بكل تأكيد، لكنه يستمد معطياته من واقع المنطقة وتأثيرات اندفاع او انكفاء اي من القوى الاقليمية والدولية على الوضع العراقي الداخلي.
لن اناقش فاعلية ستراتيجية التحالف الدولي في مواجهة داعش، ولا الدور الاميركي المتردد والمبهم. فالأمر أصبح مثار جدل وتجاذب ليس في الداخل الاميركي فحسب، فها هو وزير الدفاع الفرنسي، احد اقطاب التحالف، يوجه انتقاداته اللاذعة، غداة التئام اجتماع وزراء دفاع التحالف، للاشتراطات الاميركية التي أفرغت الحرب على داعش من مضمونها.
ومنذ 17 شهرا والرئيس الاميركي باراك أوباما يحاول التفلّت من استحقاقات الحرب على الارهاب، فمرة يقرر اعتماد الضربات الجوية وتكثيفها، وتارة يلجأ الى ارسال المدربين، ومؤخرا انصاع لضغوطات خصومه الجمهوريين واعطى الضوء الاخضر لنشر قوات خاصة في العراق وسوريا.
لكن النجاح الوحيد الذي يسجل لاوباما هو وفاؤه لبرنامجه السياسي بعدم الانخراط المباشر بحروب المنطقة. وحتى 18 شهرا قادمة، تاريخ الانتخابات الرئاسية، سينشغل أوباما بتوظيب حقائبه لمغادرة البيت الابيض. لكنه الرئيس سيحرص، في الوقت ذاته، على تعبيد الطريق امام رئيس ديمقراطي، وإلا فإن على خليفته الجمهوري تدبر أمره وسط ورطة الحروب الطائفية في المنطقة.
اذن علينا عدم الاعتماد على تفعيل المساعدة الاميركية في حربنا ضد داعش، حتى موعد مغادرة اوباما للبيت الابيض بعد 18 شهراً قادمة. بل علينا عدم التعويل على تغيير جوهري في المقاربة الاميركية لأزمات المنطقة خلال السنتين القادمتين.
إقليميا، لا يبدو ان الصراع السعودي / الايراني سيضع أوزاره قريبا. فالرياض تواصل تصعيدها المستمر ضد كل الاطراف المتحالفة مع طهران وفي مقدمتهم فصائل الحشد الشعبي، عراقيا، ونظام الاسد وحزب الله في سوريا. وهي لا ترى حكومة العبادي بعيدة بما فيه الكافية عن النظام الايراني.
ومع بقاء الازمتين السورية واليمنية، يبقى الصراع السعودي الايراني يواصل توتير أجواء المنطقة عبر الاستقواء بأدواته المحلية والاقليمية. فقد أخذ هذا الصراع منذ 2011 اشكالاً عدة، وبلغ ذروته بعد توصل ايران والغرب الى اتفاق حول الملف النووي في شتاء 2014. ومنذ ذلك الوقت بدأ النفط مسلسل هبوطه، حتى وصل الى ما دون 30 دولارا هذه الايام.
السعودية الغاضبة من التطبيع الايراني / الاميركي، وجهت لها أصابع الاتهام باستخدام اسعار النفط كسلاح ستراتيجي ضد خصومها الروس والايرانيين، كما اشارت لذلك صحيفة التايمز يوم امس. واتهمت الصحيفة البريطانية العاهل السعودي الحالي باستخدام النفط كجزء من خطة جيوسياسية / اقتصادية، افضت الى فقدان النفط 70٪ من قيمته خلال عامين فقط.
ليس هناك أفضل من هذا المناخ المتوتر سياسيا واقتصاديا، لبقاء داعش وتوطنها في المنطقة الممتدة بين الفلوجة والرقة. فلا تحالف دولي فاعل، ولا نية لدى الاطراف الاقليمية لمواجهة التهديدات الارهابية.
وتتضافر هذه العوامل الدولية والاقليمية، مع الازمة المالية التي يواجهها العراق وتأثيراتها القاسية على توفير مستلزمات الحرب واستحقاقات ما بعد التحرير. فتقاسم المناطق المحررة، وفاتورة إعمارها ستكون بكل تأكيد مادة جديدة لتغذية الانقسامات العراقية.
سننشغل طيلة الاعوام القادمة بمراقبة إضرام النار فيما تبقى من هياكل دول المنطقة، وتمزيق نسيجها الاثنو – طائفي. سينهمك ساستنا بالبحث عن كاميرات الـHD لاستعراض خطبهم وعضلاتهم الدبلوماسية، وسنواصل انقراضنا البطيء أمام انظار العالم.