TOP

جريدة المدى > عام > المهرجانات الثقافية العراقية تتلاشى بين الدعم والإهمال الحكومي

المهرجانات الثقافية العراقية تتلاشى بين الدعم والإهمال الحكومي

نشر في: 23 يناير, 2016: 12:01 ص

بعد الضجة التي أحدثها اقتراح القاص محمد خضير لتحرير المهرجانات الثقافية من قيود الدعم الحكومي والتخلص ممّا وصفه بـ " تحمل منيّة الحكومة " بدعم أي مؤتمر أو مهرجان ثقافي وانتظار "فُتات الحكومة التي تمنحها إلى أية مؤسسة ثقافية" ، والتوجه للدعم الذاتي أو

بعد الضجة التي أحدثها اقتراح القاص محمد خضير لتحرير المهرجانات الثقافية من قيود الدعم الحكومي والتخلص ممّا وصفه بـ " تحمل منيّة الحكومة " بدعم أي مؤتمر أو مهرجان ثقافي وانتظار "فُتات الحكومة التي تمنحها إلى أية مؤسسة ثقافية" ، والتوجه للدعم الذاتي أو القطاعات الخاصة لغرض إقامة المهرجانات والمؤتمرات الثقافية بعيداً عن دعم الحكومة الضعيف ، وقد اتفق عدد من الأدباء والمُثقفين مع محمد خضير في ما طرحه كما اختلف آخرون في ذلك .
ويعتقد البعض إن التدخل الحكومي في إقامة المهرجانات الثقافية يُعد من الضروريات  كما ان الثقافة في العراق محكومة بالسُلطة. ومن بين من اتفق على هذا الرأي الكاتب والناقد جميل الشبيبي قائلاً "إن قضية المهرجانات الثقافية كما طرحها القاص محمد خضير هي قضية الثقافة العراقية باتساع ساحتها وعديد أسمائها ،والتي تتضمن علاقة السلطة بالثقافة التي هي محكومة بسلطة الدولة شاء الأديب والمثقف أم أبى. "
إن آراء الشبيبي ،مع رؤيتها لصعوبة تنفيذ اقتراح محمد خضير إلا أنه ليس من المستحيل فيما لو تضافرت المؤسسات الثقافية والإعلامية على انجازه فهو سيجنب النشاطات الثقافية الشروط المفروضة عليها ،وضعت حلولاً لقضية تخليص المهرجانات الثقافية من قيود السلطة ، حيث وضع الشبيبي اقتراحاته ذاكراً " أن تُقام المهرجانات الأدبية بجُهد ذاتي وبمشاركة من قِبل الأدباء ، أو إقامة مُلتقيات أدبية موازية للمهرجانات تحت أسماء أُخرى ودعم مستقل عن الحكومة."
إلا ان الشبيبي يرى من الصعب تنفيذ هذه البدائل نتيجة " فشلنا الثقافي وعزلتنا المعرفية وخراب بنيتنا الأساسية جميعها ظروف تحكمت بتأخر الثقافة وعدم تقدمها في العراق . "
ويرى آخرون ان من الأفضل توليد علاقة تفاعلية بين المثقف والسلطة من خلال الالتقاء بمنطقة وسطى لتعود الفائدة الثقافية والمجتمعية على الطرفين وهذا ما تضمنهُ رأي الكاتب خليل الهايس الذي أوضح إن " الصراع الأزلي بين السُلطة والمثقف ومحاولة كل منهما جرّ الآخر لعلاقة التبعية "علماً ان هذه الرغبة تظهر عند السلطة أكثر مما هي لدى المثقف" الأمر الذي أحدث هوة كبيرة بينهما . "
وعبرَ الهايس عن رغبته بأن تفُك الحكومة العراقية خيوط تكبّل الثقافة في العراق عناء إقامة المهرجانات والمؤتمرات الثقافية ، ذاكراً ان "المشكلة لن تُحل  بين السلطة والمثقف إلا بتحول العلاقة من تبعية إلى تكافؤية قائمة على احترام متبادل وحرية كاملة في التحرك والعمل لكل في منطقته . "
قام الهايس بحسر المشكلات التي تواجهها الثقافة العراقية اليوم ومن ضمنها المهرجانات والمؤتمرات الثقافية قائلاً " لو تم إحصاء الأموال التي صُرفت في العراق منذ 2003 وحتى الآن على المهرجانات والمؤتمرات لحصلنا على أموال طائلة كان من الأفضل استثمارها بمشاريع ذات وقع حقيقي في الثقافة العراقية " موضحاً " كان من المفروض تمتين العلاقة بين المؤسسات الثقافية والجامعات في العراق ، ذلك لأن الجامعات تهتم بالمثقفين بشكل عام وكان من الممكن إقامة المهرجانات الثقافية ضمن القاعات الموجودة في الجامعات العراقية ، وهذا سيكون احد الحلول التي نستطيع من خلالها فصل السُلطة الحكومية عن البرامج الثقافية . "
ويعترض البعض على رأي محمد خضير مُبينين ان ما جدوى وجود وزارة الثقافة إذا كانت غير قادرة على إقامة مهرجانات في العراق مثل " المربد " على سبيل المثال . هذا ما بينه الشاعر حبيب السامر مُعبراً عن رأيه وذاكراً " المهرجانات الثقافية دالة أدبية وثقافية وأيقونة لها مدلولاتها الإبداعية التي تتسم بمشاركة واسعة من أسماء لها حضورها الفاعل في المشهد الثقافي ، فما هي أهمية وزارة الثقافة  دون الإسهام الفاعل في تنشيط وتمشية متطلبات نجاح المهرجان ، او الاهتمام بمتطلبات اية فعالية ثقافية في مركز ومحافظات العراق؟ . "
كما بين السامر "فيما لو لم تؤدِ وزارة الثقافة دورها الفعال تجاه البرامج الثقافية سيكون خيار المثقفين اللجوء إلى مجالس المحافظة التي يُقام فيها المهرجان الثقافي ومُفاتحتها بدعمهِ" ، ذاكراً " إن لجوء المثقف إلى مجلس المحافظات سيجعل مسؤولية الدولة أمام إقامة هكذا مهرجانات مسؤولية مضاعفة  كونها لابد من  أن تُساير الثقافة مع فعلها السياسي وأحيانا تثبت وجودها بعد فشل بعضها في القنوات السياسية الأخرى لتدفع الشارع بالاتجاه الإبداعي . "
كما ذكر السامر مخاطر لجوء المُثقف إلى دعم جهات غير حكومية قائلاً " وفيما لو أراد المُثقف اللجوء إلى الميسورين من أبناء المدينة ، وأصحاب النفوذ في المجتمع وهذا أقل شأناً لاسيّما وأن هكذا شرائح تنحو باتجاه الربح المالي ، وقد تفكر ماذا ستجلب لها النخبة من ربح مادي أو معنوي ؟ . "
كما أكد السامر موضحاً ان " في حالة التخلي عن اللجوء إلى الحكومة المحلية أو الميسورين من أبناء المدينة ، وتحميل المُثقف العراقي تكاليف المهرجانات الثقافية سنكون بذلك قد حملنا المثقف طاقة إضافية تفوق قدرته إضافةً إلى تكاليف السفر والمبيت والفندق " ، مؤكداً " ورغم كل هذا لابد من عدم التخلي عن الدعم الحكومي ذلك لأن من واجب الحكومة تخصيص مبلغ من الموازنة السنوية لوزارة الثقافة  المسؤولة الأولى عن إقامة أي برنامج ثقافي في العراق ."
إلا ان بعض المُثقفين أكدوا على ان دعم الدولة للثقافة في العراق هو شهادة لحُسن سلوك الدولة في إدارتها للدولة وعكس ذلك ستكون الدولة مُتهمة بشرف أمانتها وهي تتخلى عن أهم شكل من أشكال الحياة الإنسانية وهذا ما أكده أيضا الشاعر الدكتور سعد ياسين الذي بين ان " أسوأ مظاهر العصر الذي نعيشه الآن هو أن يقف المثقفون على أبواب السياسيين الذين تصدوا لإدارة البلد في الوقت الذي يجب على السياسي أن يكون هو من يتبع خطى المثقف ليستشف منه رؤاه وأفكاره . "
وأكد سعد ياسين قائلاً " فيما لو لم يقُم السياسي بواجبه تجاه الثقافة والمثقفين سيكون من الأفضل أن يُتخذ الموقف المناسب الذي أشار له المبدع محمد خضير بالاعتماد على جهد المثقفين الذاتي في بناء كيان ثقافي مستقل له شخصيته وفعله المؤثر في بناء المجتمع والتغيير الاجتماعي ليكون جبهة مضادة لزيف بعض السياسيين وعطل المؤسسات الثقافية الرسمية وتجاهلها للمثقف واستهانتها بدوره الفاعل في بناء المجتمع  . " ، مُشيرا إلى ان ذلك " يتطلب وضع هيكلية عملية اقتصادية يتفق عليها المثقفون أنفسهم استثماراً لحركة النشر والطبع والتسويق وإقامة المهرجانات والمعارض  بما يحقق لهم موارد تسهم في ديمومة العمل الثقافي العراقي بعيدا عن الأجهزة الرسمية الحكومية وقضمها وعصرها للمبالغ التي تمنح لهذا المهرجان أو ذاك من مهرجاناتنا الإبداعية."
 ليضع الشاعر الدولة أمام خيارين
في ختام حديثه ذكر " إن الدولة اليوم أمام خيارين : إما تعديل سلوكها إزاء المثقف واحترام دوره الحضاري والإنساني والسير معا على هدي رؤى المثقف الرائي  ، وإما أن يتحمل وزر فشله في الحياة السياسية كونه كيانا فارغا من معناه الحضاري والإنساني . "
وجعل عدد من المثقفين والأدباء مسألة استقلال المهرجانات الثقافية عن الدعم الحكومي احد أسباب النهضة والعودة بالإبداع للمهرجانات والبرامج الثقافية . حيث ذكر الشاعر والكاتب عبد السادة البصري ان " استقلال المهرجانات الثقافية وابتعادها عن جميع صور الدعم الحكومي ستفتح الآفاق أمام الثقافة العراقية للتطوير والإبداع . "
وأكد عبد السادة على ان اللجوء إلى تمويل التجار ورجال الأعمال لمثل هذه المهرجانات أمر مهم ذاكراً إن " هذا الدعم سيعمل على تهيئة البنى التحتية وازدهار البرامج والمهرجانات الثقافية والمُدن التي تُقام فيها المهرجانات . "
وتبقى الثقافة العراقية في حربٍ أزلية مع السُلطة في محاولةٍ للأخيرة بجعل الثقافة والمُثقفين تابعين لأهوائها ، ومع زيادة وعي المثقف العراقي باتت طموحاته تزداد للحصول على حقه في إقامة البرامج الثقافية سواء أكان للسلطة دور في ذلك أو لم يكن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

عباس المفرجي: القراءة الكثيرة كانت وسيلتي الأولى للترجمة
عام

عباس المفرجي: القراءة الكثيرة كانت وسيلتي الأولى للترجمة

حاوره/ القسم الثقافيولد المترجم عباس المفرجي بمنطقة العباسية في كرادة مريم في بغداد، والتي اكمل فيها دراسته الأولية فيها، ثم درس الاقتصاد في جامعة الموصل، نشر مقالاته في جرية الجمهورية، ومجلة الف باء، قبل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram