قبل عشرات السنين قدمت فرقة المسرح الفني الحديث ، المنسية حاليا ، صاحبة التاريخ العريق في تقديم عروض منحت للحركة المسرحية العراقية ملامح هويتها ، مسرحية "البستوكة" المعدة عن "الجرة" للكاتب الايطالي لويجي برانديلو ، اخراج الفنان سامي عبد الحميد . شارك في تمثيلها خليل عبد القادر ، كريم عواد والراحلة زينب فضلا عن اخرين . في زمن الاستقرار السياسي النسبي ، قبل هبوب العواصف الرعدية ، سجل التلفزيون الرسمي المسرحية ثم عرضها اكثر من مرة ، فتفاعل معها الجمهور لفكرتها في كشف مخاطر الوقوع في مأزق الخروج منه يعني السقوط بمنزلق خطير . وقتذاك لم يكن الرقيب صارما يستخدم مجسات رجل الأمن في التعاطي مع الأعمال الأدبية والفنية فسمح للفرقة بتقديم "البستوكة" .
من توفرت له فرصة مشاهدة البستوكة من جمهور المسرح ، خرج من القاعة ينتابه الشعور بأن عناصر الأمن السري تطارده ،كأنه يحمل منشورا حزبيا يدعو الى تنظيم تظاهرة احتجاجية ضد السلطة ، خطاب المسرحية فيه ما يشير الى فشل اصحاب القرار في معالجة مشكلة صغيرة بالحكمة واستخدام العقل في النظر الى القضايا الجوهرية . العراق جزء من منطقة سلمت مصيرها لأصحاب الجلالة والفخامة ، تراودهم المخاوف من ذوي الخبرات والكفاءات فعملوا على اشاعة التخلف بكل مظاهره ، حتى اصبحت المنطقة العربية مصدرا لتصدير بهائم انتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة يفجرونها وسط المدنيين مع اطلاق التكبير .
"البستوكة" استشرفت الأوضاع العراقية الحالية بالتلميح الى الدخول في مرحلة مظلمة يكون فيها الوزير المخضرم في الحكومات المتعاقبة صاحب شركات حصلت على رأس مالها من الرزق الحلال من المال العام ، رجال المرحلة المظلمة جعلوا اعلانات شركات استيراد السجائر الاجنبية على شكل مظلات تحمي عناصر السيطرات المنتشرة في بغداد من اشعة الشمس ، في ايام الصيف . ظلام المرحلة انتقل الى النفوس ، ارتفعت نسبة الاصابة بالامراض النفسية ، عادت الاوبئة تطرق ابواب العراقيين لتصيب اطفالهم بالنكاف والجدري المائي ، نفايات المنطقة الخضراء المرمية في مكب يقع في اطراف العاصمة تشعل في كل يوم نزاعات بين متعهدي الزبالة في بلد يتمتع بثروات طبيعية ، مواردها تعرف طريقها الى خزائن من سخِرت منهم "البستوكة" .
الاطراف المشاركة في الحكومة الحالية لم تتوفر لرموزها وزعمائها بكل عناوينهم الوطنية مشاهدة البستوكة ، اغلبهم ربما كان منشغلا بالنضال ، او انه يستحرم مشاهدة عروض مسرحية تشارك فيها ممثلات يرفضن ارتداء الحجاب الشرعي ، امكانية اعادة انتاج وعرض "البستوكة" في الوقت الحاضر لتقدم درسا بليغا لرؤساء الكتل النيابية وبطانتهم ، محفوفة بالمخاطر على الرغم من غياب الرقيب ، المخاوف تتلخص بصولة يشنها فصيل مسلح ، يعتقد بان "البستوكة" تسخر من الرموز الوطنية اصحاب الخدمة الجهادية ضد الديكتاتورية ، ومنهم الوزير المخضرم الحاضر الدائم في الكابينة الوزارية بكل الحكومات المتعاقبة في دولة "البستوكة" الديمقراطية ام الطرشي .
"بستوكة" دولة الطرشي
[post-views]
نشر في: 22 يناير, 2016: 09:01 م