لم يعدْ شارع المتنبي يسع روّاده أيام الجمعة .. إنه يضيق بهم بإطراد أسبوعاً بعد آخر، حتى في أشهر الصيف الحارة وفي أيام الشتاء المطيرة. وبالطبع ليس في الإمكان توسعة الشارع، حالياً في الأقل مع الأزمة المالية الضاربة أطنابها في أغوار دولتنا ومجتمعنا، ولكن بإعمال الفكر يُمكن استنباط أفكار مفيدة.
الشارع غدا المركز الثقافي الأول في بغداد والعراق كله، وهذا ليس باعثاً على الشعور بالبهجة والحبور، ذلك أنه يعكس، من الجانب الآخر، الفشل الذريع لدولتنا في إنشاء المراكز الثقافية التي هي الأقل كلفة من غيرها ويمكن للكثير منها لاحقاً أن يموّل نفسه بنفسه، كدور السينما والمسرح والموسيقى وصالات العروض التشكيلية، فهي لا تحتاج سوى إلى بضعة ملايين الدولارات التي كان في المستطاع اقتطاعها من الموازنات الانفجارية المتدفّقة عليها مئات مليارات الدولارت في السنوات العشر الماضية، أو عبر استرداد البعض من عشرات المليارات التي تسرّبت إلى خارج البلاد لحساب الفاسدين والمفسدين.
معالجة مشكلة الشارع ليست مرتبطة حكماً بتنفيذ مشروع تطوير الشارع الذي تراجعت عنه أمانة بغداد وسحبته من التداول ورفعته حتى من موقعها الإلكتروني .. المعالجة يمكن أن تتم باجراءات تنظيمية كانت الأمانة قد وعدت بانجازها في عهود أمنائها السابقين، ومنها توفير منصات عرض أو أكشاك لكتبيّي الرصيف.
من الاجراءات التي أرى لزوم اتخاذها، منع التجاوز على رصيفي الشارع وعلى أسفل الشارع نفسه، فثمة باعة أطعمة ومشروبات مكشوفة للهواء والغبار والحشرات، احتلوا أجزاء من الشارع ومن رصيفيه، وصاروا يعيقون الحركة ويتسببون في المزيد من الزحام. ويتعيّن الآن الأمر بتحريم بيع أي سلعة غير الكتب والقرطاسية في المتنبي، وحصر عمل باعة الأطعمة الخفيفة والمشروبات في شارع الرشيد وفي الشارع الممتد بمحاذاة مبنى القشلة، على أن يُلزموا بالعمل من داخل أكشاك صغيرة ذات كوى صغيرة للبيع، من أجل تأمين شروط السلامة الصحية في ما يبيعون.
إجراء آخر مهم يلزمه الطقس الاسبوعي في شارع المتنبي، هو منع مرور وتوقف غير سيارات الشرطة في شارع الرشيد يوم الجمعة، والمهم هنا عدم استثناء سيارات المسؤولين الحكوميين من هذا الإجراء، فهؤلاء المسؤولون يُمكنهم استعمال أقدامهم والتمشي لبضع خطوات من ساحة الرصافي أو ساحة الميدان لبلوغ شارع المتنبي والجزء القريب منه من شارع الرشيد. هذه المنطقة هي منطقة نشاط ثقافي عام، وعلى المسؤولين الحكوميين الإذعان لشروط الوجود في هذه المنطقة، مثل غيرهم من روّادها، وإلا فالأجدى لهم ولشارع المتنبي وروّاده أن يلزموا بيوتهم أو يستعرضوا أنفسهم في مناطق أخرى، فالمتنبي شارع للثقافة وليس للاستعراض من أي نوع.
شارع المتنبي.. إذ يضيق
[post-views]
نشر في: 22 يناير, 2016: 09:01 م