لطفية الدليمي(1)تبقى  المرأة المبدعة  مسؤولة إلى حد كبير عن تعزيز عملية غيابها أو تغييبها عن الأفق العام للفعل الثقافي، عندما تسهم أعداد من النساء في تكريس المكانة الثانوية للمرأة في مجتمعاتنا بقبول الأدوار التكميلية والمراتب الدنيا بحكم الخوف من المنافسة مع الرجال وخشية الفشل في الأداء،
 بينما تصر أعداد أخرى من النساء الطموحات على خوض مجازفة الفعل الثقافي وإجادته في تحد حقيقي للمعوقات والخوف ونظرة المجتمع الملتبسة إلى المرأة في المشهد الثقافي، هذا المشهد الذي يتوفر على طرز لا منظورة من السلوك العنفي إزاء المبدعات الجادات اللواتي قد يعرضن شخصيات زملائهن لاختبار المواقف بإجراءاتهن الفكرية واشتغالهن المتجاوز لمألوف مجتمعاتهن، ويبقى شأن ضعف الفعل الثقافي للمرأة أو ندرته أمرا مرهونا بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة وثقافة المجتمع القامع وصعود الأصولية وهيمنتها على شرائح واسعة من المجتمعات التي جرى تجهيل أجيال منها وتدجينها في النظم الديكتاتورية فسُهل استيعابها من قبل الحركات السلفية والأصولية.rn(2)لطالما اعتذرت عن حضور ندوات وملتقيات ثقافية بسبب من صيغة الدعوة التي تكرس سلوكا   ذكوريا بامتياز حين  يدعوك منظم الحدث بصفتك  البيولوجية كونك امرأة وليس ذاتا مستقلة لها دورها وفاعليتها  الثقافية  ومنجزها المشهود ،فيقول  الداعي بثقة  مطلقة:- ندعوك أستاذة ليكون للنساء حضورهن في المحفل الفلاني..ويعقب بما هو أشد إنكارا لدورك الثقافي:-نحرص على تخفيف جرعة الذكورة في الملتقى  ونأمل ان تلبي الدعوة أنت والأخوات الأخريات إصرار تام على إلغاء ذاتك الفاعلة بتحشيد جمع من (الإناث) اللائي يفترض فيهن الداعي – القبول والترحيب –  وللأسف ترتضي البعض من النساء الأمر، لغياب الوعي  بذواتهن المستقلة، ويتقبلن الانتقاص من قيمتهن الإنسانية  ليتحولن الى ملحقات ومكملات  يلطفن الأجواء بأنوثتهن ولا يشاركن باعتبارهن  عناصر أساسية  لها مكانتها في المنجز الثقافي. هذا السلوك إزاء المرأة المنتجة للثقافة لا يقتصر على بلد عربي دون سواه، بل يكاد يكون  معمما في كثير من  المحافل  الثقافية التي لا تشترط  الرصانة وأهمية المنجز بقدر ما تعول على  (حضور عدد معقول أو كاف من السيدات) رغبة في (تلطيف الأجواء الذكورية) والتخفيف من كثافة الحضور الرجالي من الكتاب والمثقفين  العتاة  وتجميل أفق الحدث والمناسبة، بصرف النظر عن منجز هذه المرأة أو تلك  ودون الاعتداد بما ستقدمه من مداخلات أو أفكار او ما تشارك به من إبداع أو مواقف فكرية إلا فيما ندر  من الأحداث والمناسبات.rn(3)ويتحمل عدد من النساء اللائي يرتضين تكريس حضورهن التزييني -المسؤولية بهذا القدر أو ذاك عن تفشي ظاهرة الحضور السطحي والتجميلي في المحافل الثقافية والذي يتحول  في حالات كثيرة الى هدف بحد ذاته  مثلما  توضع  باقات  الزهور على المنصات او تعلق البوسترات على الجدران او تضاء الثريات في القاعات، تشييء كامل في التعامل من باب الأنوثة وحدها لا من جهة أنسنة الحضور وتأكيد المنجز والاعتداد بالفكر والتحاور بين الأنداد.نعلم أن حضور المرأة في  بعض المجتمعات العربية  يكاد يكون ضئيلا او  معدوما في سياق الحياة اليومية  وفعالية  الشرط الحياتي الملزم للشراكة الإنسانية،  فيأتي  إشراكها  –وليس مشاركتها الحيوية في الفعل الثقافي -  فوقيا  ليكمل  النظرة التسطيحية  لأدوار النساء  في مجتمعات تعتبرهن  -شيئا - تجري الاستعانة به مؤقتا وليس في سياق موقف ستراتيجي من موضوعة الشراكة  وتقاسم المسؤوليات  في الأفق الثقافي والإبداعي، وهو موقف يختزل المرأة  المبدعة  الى حضور  مساعد  يتيح للرجال تحمل وطأة  الذكورية المفرطة في الحدث الثقافي.وقد أدى هذا  التعامل  مع (الأنثوي) على حساب المضمون والقيمة  الى  تكريس نجومية أسماء  لا تملك منجزا ذا قيمة من جهة وترويج أعمال هشة لهذا السبب او ذاك، وتعميم النظرة التسطيحية  على عموم النساء  المنتجات للثقافة.ويخضع هذا الضرب من السلوك الى  شبكة من العادات والقيم والتقاليد الاجتماعية  التي تتكون منها ثقافة  مجتمع ما  إضافة  إلى الازدواجية  التي يتعامل بها كثير من المثقفين المترنحين بين ضغوط الواقع الاجتماعي الذي يطبقون أعرافه على سلوكهم الاجتماعي،وبين أحاديثهم وتصريحاتهم  المعلنة عن الحداثة والحرية وقبول  الآخر.