TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > زمن فائق بطي

زمن فائق بطي

نشر في: 25 يناير, 2016: 09:01 م

يكتب ماركيز في ذكرى رحيل بورخس: أن المتميزين لا يرحلون كأفراد، يرحلون، باعتبارهم مرحلة متوهجة ، صار رحيلهم خاتمتها،  بدأ فائق بطي  يكتب للأمل والحياة  وفرحة الناس  ، وانتهى بعذابات المرض والغربة  في مستشفيات لندن ، لن يكتب أحد من بعده لتاريخ الصحافة العراقية الذي أراده ان يظل نقيا متوهجا ،  ولن يكتب المؤرخون  من بعده  حكاية نضال وتعثر صاحبة الجلالة ، فقد كان  في إمكانه أن يحوّل مجموعة من تفاصيل هذه المهنة إلى حكاية يتداولها الصحفيون  . وكان يلتقط من اروقة الجرائد ،  ومن احاديث الصحفيين ، ومن السياسة، ومن الثقافة ، ومن التاريخ ، ومن النضال ، ومن هدير المكائن ، ليحوّلها كلها إلى كتاب نادر . وإذا كانت  حكايات الصحافة  هي الباقية  ، فإن فائق بطي هو حكاية الصحافة العراقية  ، التي سنعود اليها كلما اخذنا الحنين الى زمن النقاء والرفعة والاناقة في اللفظ والسلوك والوجدان  .
ينتمي  فائق بطي  إلى طائفة من الناس  الأثيرين على القلوب ، صحفي ومثقف  ومؤرخ  يتمتع بعبقرية لها طعم خاص ، يترك أثراً في النفس، حين تشاهده تشعر وكأنك قرأت كتاباً ممتعاً، فعند هذا الكاتب  قدرة عجيبة على تشرب الثقافة والحياة الكامنة خلف هذه الثقافة..
كانت قامته الباسقة كشجرة، الوجه الآخر لسيرته الواثقة وقناعاته الراسخة وإيمانه العميق بالنهايات المنتصرة لقيم التغيير والثورة والعدالة الاجتماعية، لقد أدرك على نحو مبكر اننا يجب ان نعيش عصر المستقبل، كان الإيمان بالمستقبل  يتخلق تدريجيا في وعي  فائق بطي  وبسبب شغفه بقضايا الناس  التي تفرغ لها والتي أغوته بإمكانية أنطاق الكثير من المسكوت والوصول من خلالهم الى عالم جديد.
كان يدرك بأن قيمة الحياة في المستقبل،المستقبل الذي دفع من أجله أجمل سني حياته مشردا من منفى الى منفى، فقد عاش فائق بطي  مثل كل المثقفين الأحرار مرارة المنفى، حين كُتب عليه ان يتنقل من بلد الى بلد، متواريا عن أجهزة القمع وقسوة الاضطهاد، مكتوبا عليه ان يكفر عن "جريمة" التفكير الحر .
ولأن الوطن، لم يكن بالنسبة لفائق بطي ، وطناً بالمعنى المجرد، ترسمه ذكريات وأحداث، ولا هو وطن، تحدده سياسات ومبادئ،وإنما الوطن كان اشبه مغامرة، مغامرة ليست فقط في العيش في بلاد هي الأخطر وإنما في بلاد هي العشق، العشق الذي يحتم علينا ان نبني هذه الارض ونصنع وجدانها وقيمها.
بالامس طويت الصفحة الاخيرة من حياة فائق بطي ،  وانطوت  معها تقاليد ومعان لصحافة متميزة  ،  توقفت الرحلة  ،  لم يعد المعلم  يتفرّد في البحث والكتابة والاستقصاء والضحكة والنصيحة والابوة الحانية  ، كلما أراد شدّنا إلى عالم النقاء وصفاء المعاني  ،  مرحلة ومضت وجيل اسدل الستار بغيابه .
وداعاً ايها المعلم كلمة سنرددها وننشرها ونجعلها بيارق من العناوين الواضحة عند الازمنة والامكنة ؟  وسنظل نتذكر اننا عشنا في زمن فائق بطي .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تعطيل الدوام غداً في ذكرى النصر على داعش

الخطوط العراقية: 1523 رحلة و214 ألف مسافر خلال تشرين الثاني

العدل: تأهيل 3000 حدث خلال عامين وتحديث مناهج التدريب وفق سوق العمل

إيران تكشف لغمًا جوّيًا يصطاد الطائرات المسيّرة من السماء

هيئة الرصد تسجل 8 هزات أرضية في العراق والمناطق المجاورة خلال أسبوع

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram