4-5
في السلفادور، حيث يحكم رفاق يساريون أيضاً، لا يختلف الأمر عنه عن نيكاراغوا، سواء بدور المثقفين الذين لعبوا دوراً كبيراً بالتعبئة الشعبية أيام النضال السري والكفاح ضد الديكتاتوريات العسكرية، أو سواء بالقطيعة الحالية بين المثقفين وبين النظام الذي كانوا جزءاً منه.
ميغيل ويسو ميكسو (1945 سان سلفادور) مثلاً، أحد المثقفين المعروفين في السلفادور وفي أميركا الوسطى، أشرف ولسنوات طويلة (من 1981 حتى 1992) على عمل راديو جبهة فاراباندو مارتي، بالضبط عند المرتفعات الجبلية المحيطة بالعاصمة سان سالفادور، منطقة غابات كثيفة اشتهرت بزراعة القهوة وبأرضها البركانية، حيث بركان يوبانغو، قبل التفرغ للعمل الإعلامي الدعائي، أقام ميكسو لمدة سنتين في سان خوزيه عاصمة كوستاريكا (1979-1981)، كان هو أحد مؤسسي الخلايا السرية التي عملت في كوستاريكا وانطلقت من هناك إلى السلفادور عن طريق البحر، في 16كانون الثاني 1992 وبعد التوقيع في المكسيك وبإشراف الأمم المتحدة على اتفاقية السلام بين جبهة فارباندو مارتي وحزب الديمقراطيين المسيحي (أرينا) المحافظ والحكومة العسكرية، تحولت الحركة المسلحة اليسارية إلى حزب سياسي وشاركت في الانتخابات للمرة الأولى. الغريب هو أن التحول الذي طال الحركة المسلحة شمل الراديو أيضاً، فبدل الاستفادة من ماضي الراديو كرمز، باعت الجبهة المحطة إلى جماعات دينية بروتسانتية. كانت تلك أول صدمة على مدير الراديو الصحفي والكاتب ويسو ميكسو، الذي وجد نفسه بلا واجب في العهد الجديد، وكان يجب أن تمر قرابة عقدين ونصف، لكي يكتب رواية تتحدث عن أيام عمله في الجبال والتطور الذي حدث لأولئك الذين شاركوا في الثورة، "طريق النمل" (الفاغوارا، مدريد)، رواية هي "مثال ملفت للنظر، كيف أن الأدب بدا قادراً للمرة الأولى على الاستفادة من أحد أكبر الاحداث الدراماتيكية للقرن العشرين في أميركا الوسطى، الحرب السلفادورية"، حسب ما كتب عنها الكاتب النيكاراغواني، سيرجيو راميرز، لأن ميغيل ويسو ميكسو "يحاول انطلاقاً من رؤيته الشعرية تجريب سلاحه كروائي للمرة الأولى، يلقي النظر على بانوراما الوحشية والبطولة، هذه الإزدواجية، ويفتحها أمامنا بتسلسل متقن يروي لنا النضال من أجل تغيير التاريخ، حيث أول ما يحدث أن الذين يتغيرون باتجاه الخير أو باتجاه الشر، هم الذين اشتركوا في هذا النضال، وحسب شرطهم الإنساني نفسه، يتحولون إلى أبطال أم إلى اشرار".
ليس ميغيل ويسو ميكس هو الوحيد الذي شعر بالخيبة، من الناحية النظرية يحكم اليسار السلطة، لكن على مستوى الواقع، لم يتغير الكثير في البلاد، سوى فيما يتعلق بخط الفقر أم بالاقتصاد النيوليبرالي الذي يحكم الحياة اليومية لدرجة أن اليمين بدأ يطالب بتدخل الدولة في الاشراف على الاقتصاد ومطالبة الأثرياء بدفع ضرائب أكثر، شعارات كان رفعها في السابق يعني الشيوعية، فضلاً عن الرقابة التي تطل بوجهها بشكل أو بآخر، وإلا لما تأخر ميغيل ويسوب ميكسو كل هذا الوقت لكي يستطيع الحديث ولو بصوت خافت عن الخيبة من حزبه اليساري. وربما ما كان قادراً على الحديث من مسافة بعيدة عن السياسة الرسمية، لو لم يعمل في وظيفة أخرى، في برنامج الأمم المتحدة للتنمية في السلفادور.
كتاب آخرون يعملون في وظيفة حكومية، عليهم أن يحسبوا حسابهم بحذر قبل أن يكتبوا، مونليو آرغويتا (سان ميغيل، السلفادور 1935) مثلاً، الروائي والشاعر الذي يعمل مديراً للمكتبة الوطنية (حلم معظم الكتاب بالعمل بهذه الوظيفة، منذ أن عمل فيها الارجنتيني بورخيس)، والذي اشتهر بروايته "يوم واحد من الحياة"، عمله الذي تُرجم إلى 15 لغة، هو مثال آخر.
يتبع
رحلة استكشاف أدبية عبر أميركا الوسطى
[post-views]
نشر في: 26 يناير, 2016: 09:01 م