TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > اللقاء الاخير مع ناظم الغزالي

اللقاء الاخير مع ناظم الغزالي

نشر في: 17 يناير, 2010: 05:17 م

فيصل الياسري   ****كان عام 1963 جليلا وفاجعا بالنسبة لناظم الغزالي ، ففي هذا العام استطاع عن طريق المصادفة وان يسجل معظم اغانيه تلفزيونيا في الكويت ، قبل ان تنتهي حياته القصيرة ( كان عمره 42 سنة فقط) عندما قطعت اذاعة بغداد برامجها يوم 21 /10/1963 لتعلن خبر وفاة ناظم الغزالي العائد قبل يوم برا من بيروت !
 فرددت شوارع بغداد ( مات ناظم الغزالي) واندفعت الحشود لتشيعه بحزن عميق تشهد على ذلك اللقطات الوثائقية التلفزيونية المتوفرة !!في ذلك العام التقيت بناظم الغزالي ، قبل وفاته بأسابيع ، كان في جولة اوروبية قادته الى فيينا ، وكنا نلتقي في مقهى ممر الاوبرا ، كان يجلس هناك مع زوجته الفنانة سليمة مراد ، او سليمة باشا كما كانت شهرتها ( ويقال ان هذا اللقب منحه اياها الملك فيصل الاول ) كانت تكبره بعشرين سنة ، وتتعامل معه بغيرة شديدة متعبة لهومع ذلك كان يتعامل معها بلطف وهدوء ( امامنا في الاقل ) ولا تثنيه تعليقاتها واعتراضاتها عن متابعة الحسان بنظراته وهو يعبث بطرف ربطة عنقه الفاقعة الالوان ! عرفت الغزالي رقيق الكلمة، حلو الابتسامة، قليل الكلام يتحدث عن زملائه الفنانين باحترام، واستطيع ان اقول عنه انه خجول خاصة امام النساء ، بينما يتسم بالشجاعة أمام الجمهور سواء على المسرح أو في الحفلات الخاصة!! لقد كان ناظم الغزالي شديد الاعتناء بهندامه ومظهره ، وهذا واضح على ما لدينا من تصوير لأغانيه !! وكان يسره ان يتفرج على واجهات الملابس الرجالية ، ولم يكن يميل الى ملابس السبورت وكان بالرغم من موسم الصيف في فيينا يحرص على ارتداء البدلة الكاملة ولا يستغني عن ربطة العنق ..وفي احد الايام اطل علينا بسترة بيضاء زينها بمنديل كبير في جيب الصدر يتناسب مع ربطة العنق العريضة ، وقال بصراحة وعفوية انه منذ طفولته كان يحلم بسترة بيضاء مثل تلك التي كان يتباهى بها جار لهم في محلة الحيدرخانة ببغداد ! هناك كانت ولادة ناظم الغزالي عام 1921 لعائلة فقيرة ، توفي ابوه مبكرا فربته امه الضريرة وكانت تسكن في غرفة متواضعة عند شقيقتها في منطقة "الحيدرخانة"، اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة، في المدرسة المأمونية، بصعوبة وكان الفقر ملازمًا له ويقول ان امه كان عليها ان تدبر عيشتهم بدخل لا يتجاوز الدينار والنصف شهريا ، وبعد وفاتها تكفله خاله الفقير مثلهم !! في احدى جلسات الدردشة والسمر قال لي ناظم الغزالي ( تدري اني بدأت حياتي ممثلا.. حتى اني درست التمثيل بالمعهد !! وكان استاذي حقي الشبلي !! بس الحاجة والعيشة خلتني اترك الفن واشتغل بمعمل للطحين !!) أبعدته الظروف عن المعهد، لكنها لم تمنعه من استمرار اهتمامه بالفن والثقافة وحفظ اغاني كبار مطربي ذلك الوقت !! لم اكتشف في ذلك اللقاء فقط ان بداية ناظم الغزالي كان ممثلا بل اكتشفت ايضا انه كان كاتبا مثقفا حيث نشر عام 1952 سلسلة من المقالات في مجلة "النديم" تحت عنوان "أشهر المغنين العرب " ( وقد قرأت للكاتب ماجد حبته ان ناظم الغزالي اصدر كتابا بعنوان ( طبقات العازفين والموسيقيين ) وقد حاولت العثور فيما بعد على نسخة من هذا الكتاب فلم اجده ولا حتى على ارصفة شارع المتنبي )عاد ناظم الغزالي إلى معهد الفنون الجميلة لإكمال دراسته، فيضمه حقي الشبلي إلى فرقة "الزبانية" ويشركه في مسرحية "مجنون ليلى" لأحمد شوقي، وعلى المسرح قدم الغزالي اول اغنية له( هلا هلا ) والطريف انها كانت من تلحن حقي الشبلي ، وكانت هذه الاغنية هي سبب دخوله الى الاذاعة وترك التمثيل واحتراف الغناء اما ثاني اغانيه فكانت من تلحين وديع خونده ومطلعها ( وين الكه الراح مني وأنا المضيع ذهب.. وراحت السلة من إيدي وراح وياها العنب.) وترجمتها لمن لا يفهم العامية العراقية : ( اين اجد الذي فقدتهوهو من ذهب .. ولقد ذهبت السلة من يدي ومعها ذهب العنب )بعد هاتين الاغنيتين انظم بين عامي 1947 و1948 إلىفرقة الموشحات بإشراف الموسيقار الشيخ علي الدرويش ،ويقول خبراء الغناء في العراق ان الفضل يعود الى ناظم الغزالي في تطوير الاغنية العراقية التي شهدت قفزة نوعية مع مطلع الخمسينيات في غالبية مقاييس الغناء العراقي ومواصفاته ، حيث ظهرت الاغنية العراقية المتكاملة الموزعة والمتماسكة والتي يرجع له فضل انتشارها في العالم العربيرغم خروجها من بيئة ذات طبيعة شديدة الخصوصية، بفعل اداء ناظم الغزالي غير التقليدي، ليجعل منها أغنية عذبة سهلة التداول والحفظ.وما زال الناس يرددون حتى الان اغاني "طالعة من بيت أبوها"، و"ما اريده لغلوبي"، و"فوق النخل فوق"، و"يم العيون السود".. وجميع هذه الاغاني كتبها جبوري النجار، ولحنها ناظم نعيم، ووزعها جميل بشير، ويعود الفضل في حفظها إلى شركة "جقماقجي" التي بدأت منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي في تسجيل أسطوانات كبار المطربين والمطربات العراقيين ، قلت ان عام 1963 كان حافلا بالنسبة لناظم الغزالي ، ممتلئا بالنشاط وكأنه كان يعرف انه عامه الاخير .. كانت فيينا بالنسبة له محطة استراحة ، وكانت زوجته سليمة باشا تطلب منه ان يؤجل بعض مشاريعه ، كانت تعامله كما تعامل الام ابنها ،

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram