يمر الكائن البشري، منذ طفولته بسلسلة من مراحل النمو الاجتماعي. ولكل مرحلة من تلك المراحل متطلباتها التي يحتاج فيها الإنسان للتكيف حتى يكون نموه سليما أو طبيعيا. والتكيف عملية معقدة تلعب بها الوسائل التربوية، البيتية منها والمدرسية، دورا فاعلا في تحديد ملامح الشخصية. أول وأخطر مرحلة في حياة كل طفل هي عندما يبدأ بالانضمام إلى الجماعة. إنها مرحلة التحرر من دائرة الأسرة الضيقة للدخول في دائرة المجتمع الأوسع. خطوة البداية تبدأ عند مرحلة عمرية يطلق عليها بعض المختصين اسم "سن العصابات". غالبا ما تكون في مرحلة الطفولة المتأخرة (5 إلى 12 سنة). ويمكن الاستدلال على دخول الطفل فيها عندما نلاحظ انه أخذ يستعمل كلمة "نحن" بدلا من "أنا". فهو عندما يراك غير راض عنه، مثلا، لا يقول "أنا شمسوي؟" بل "إحنا شمسوين؟".
إنها سن الصراعات التي حسب طريقة إدارته لها يتحدد كثير من خصائص الفرد الاجتماعية في المستقبل. أخطر ما يواجهه الطفل هو حين يعاقبة "رئيس العصابة" أو العصابة كلها بالنبذ. والرئيس غالبا ما يكون طفلا يمتلك مواصفات قيادية من بينها الخبث والنعومة التي ترتدي رداء الطفولة البريء. لا يمتلك الطفل الذي تلح عليه حاجة الانتماء للجماعة ويتعرض للنبذ غير طريقين احدهما سلبي والآخر ايجابي. السلبي هو أن يصبح انطوائيا أو عدوانيا. أما الإيجابي فهو أن يبحث عن عصابة أخرى أو أن يؤسس عصابة جديدة يضم إليها من يراهم على شاكلته. والطيور على أشكالها تقع كما تعرفون.
في الدول المتقدمة تحسب مؤسسات التربية والتنشئة الاجتماعية والأسر حسابها لتلك المرحلة لتساعد الأطفال في عملية التكيف الاجتماعي. أما في الدول التي لا تضع الإنسان همها الأول فان تلك الصراعات الطفولية ستكبر وتتحول إلى لعبة بين الكبار قد تضر المجتمع بأكمله. وربما كان هذا واحدا من أسباب انتشار ظاهرة "التناشز" الاجتماعي التي تحدث عنها الدكتور علي الوردي كثيرا.
أخطر نتائج تلك الصراعات المستقبلية هي فقدان قيمة الحب أو المحبة بين الناس لتحل محلها قيم البغضاء والكراهية والتلذذ بعزل الآخر. قيم سلبية تجذرت في اللاشعور الجمعي لأنها تُركت على راحتها تعبث بالنفوس من أيام الطفولة.
شكا لي صديق زار العراق مؤخرا بعد غياب طويل من ظاهرة فقدان روح المودة الجماعية التي عهدها بأصدقائه قبل أن يفارق العراق. صار يتحدث عن حالات مخيفة من الشللية حتى بين أوساط المثقفين. ولكثرة وجعه قرر أن يكتب عنها قصصاً وحكايات تبعث على الألم. بعث لي مسودة ما كتب طالبا رأيي فيها. استوقفني عنوان احد فصول كتابه يقول "إنهم يتقنون فن حصار الآخر". فيه حكايات غريبة وطويلة عن جار صديق له يبالغ بكرم الضيافة ليدعو الآخرين ولا يدعوه. يظن صاحبي أن الهدف هو عزله لا أكثر ولا أقل.
هونت عليه، لكني في قلبي تعاطفت معه جدا وأنا أراه قد عاد كما الطفل على أعتاب "سن العصابات" من جديد. صبرا جميلا يا صديقي، فقد تكون هذه إحدى نتائج الحصار الظالم الذي فرض على الناس.
عيدا مباركا يا عراق، وليحمك الرب من جماعات الخبث الناعم وعصاباتهم.
جميع التعليقات 2
ابو سعد
كان جارنا حمود ابو شاكر يعمل كناس في مطار المثنى نهاية الستينات وكانت ام شاكر تعلق على عمل زوجها ب(لوتشوفون حمود لما يكنس المطار اشكد يصير نظيف تاكل عليه المركه)المهم مره احمود جاب لابنه شاكر طوبه (كريكر يمكن لكاها ) المهم ان شاكر اصبح رئيس الفريق وهو الل
خالد ويس
أستاذ هاشم . كما تفضلت الإنسان كائن معقد التركيب يتداخل في تطويره مجموعة من العناصر البيئية والأخلاقية والعائلية والمادية ...الخ. كل هذه العناصر إذا توظف بشكل سليم حتماً يخرج هذا الإنسان بصورة لا شائبة فيه إلا ؟ والكمال لله. لكن في ظروف العراق العظيم اليو