لن يكون من حسن الفِطَن قراءة ما حدث في الشركة العامة للنقل البري يومي الأحد والإثنين الماضيين قراءة إدارية وسياسية خاطئة، تركن إلى معاقبة من ستوجّه إليهم التهمة بخرق القوانين والأنظمة والتجاوز على مرجعيات إدارية عليا.
وما حدث في هذه الشركة، من وجهة إدارة الشركة ووزارة النقل، أن سائقي الشركة تظاهروا يوم الأحد وحاولوا الاعتداء على مديرهم العام الجديد، وهو ما تطوّر في اليوم التالي إلى هجوم على معاون المدير العام وبعض مرافقيه، ما اضطر المعاون إلى اطلاق النار في الهواء فأصيب أحد السائقين، بحسب بيان لوزارة النقل. أما من وجهة نظر السائقين فانهم كانوا يتظاهرون للمطالبة بالغاء قرار الوزارة نقل مديرهم العام السابق الذي يتمسكون به لأنه نجح في إعادة الحياة الى الشركة وانتشالها من وضعها البائس، وانه بذلك وفّر أجواء مشجعة على العمل والجدّ والاجتهاد فيه، وأن قوات حماية المنشآت هي التي بادرت بالاعتداء عليهم.
بصرف النظر عن التفاصيل، وهي يمكن أن تكون مملة للغاية، وما يمكن أن تؤول إليه من إدانة طرف على حساب طرف آخر، فانه من الحصافة ورجاحة العقل أن يُنظر الى الحادثة بوصفها جرس إنذار يُنبئ بتكرار الحادثة في غير ما مديرية ووزارة وتطورها إلى ما لا تُحمد عقباه، فنحن الآن في وضع الكينونة على كفّ عفريت.
الأخطاء والخطايا التي لا عدّ ولا حصر لها، المرتكبة على مدى السنين العشر الماضية، وبخاصة في عهد الحكومة السابقة، أفضت إلى خراب شامل تقف وراءه على نحو خاص مافيات الفساد الإداري والمالي، وثمة إجراءات حكومية وتصريحات متضاربة لمسؤولين في الدولة تدفع باتجاه المزيد من التوتر في ظل مخاوف مشروعة من فقدان لقمة العيش لدى الملايين من الناس.
في هذا الجو المشحون يتعيّن التصرف بمنتهى العقلانية، بحساب كل خطوة وإجراء بدقة متناهية تناظر دقة عمل الساعة أو مركبة الفضاء .. يتعيّن التفكير سلفاً، استناداً إلى دراسة متأنية وموضوعية للواقع، بردود الفعل المتوقعة لكل قرار. كثير من الناس يفكرون الآن بأنهم بالتمرد والثورة لن يخسروا أكثر مما هم خاسرون الآن ومما هو متوقع من خسارات إضافية. الحنق الآن في أقصى درجاته على الطبقة السياسية المتنفذة التي أهدرت مئات مليارات الدولارات، أو بالأحرى سرقتها.
التظاهرات التي انطلقت منذ ستة أشهر وتتواصل حتى اليوم هي بمثابة الإنذار الأخير للجميع بأنه قد بلغ السيل الزبى تماماً .. هذا ما يتوجب أن يفهمه كل متنفذ في سلطة اليوم وكل مداهن ومتملق للمتنفذين ومزيف للوقائع ومحرّف للحقائق.
من الآن فصاعداً، إما أن تجري العودة عن أخطاء الحكومات السابقة والتكفير عن خطاياها باجراءات واضحة وملموسة، أو أننا ذاهبون إلى الفوضى غير الخلاقة على كل صعيد، أو الى الدكتاتورية المتوحشة ... والخيار الأخير بعيد الإحتمال لأنه غير مجدٍ بالمرّة.
قبل الذهاب إلى الفوضى غير الخلّاقة
[post-views]
نشر في: 26 يناير, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 2
أبو أثير
ومن يقول أننا لسنا في الفوضى غي الخلاقة ... فنحن منذ ألأحتلال ولحد ألآن نعيش في الفوضى والتسيب وألأنفلات ألأمني وحكم الميليشيات وتسيدها على الوضع ألأمني الداخلي ...وبات المواطن يذهب الى ألأستنجاد بالميليشيات لنيل حقوقه بدل الذهاب الى السلطات المختصة ...!!
ييلماز جاويد
الظلم لو دام دمّر ... وسيطرة العراقي على أعصابه وكظم غيضه محدودة .. فويلٌ للذين لا يحسبون حساب ذلك اليوم ، وعندها لا تفيدهم جوازات سفرهم إلى الدول التي يحملون جنسيتها ، يوم يتحوّل كل عراقي غاضب إلى صياد يصيدونهم كالعصافير .